انتقل إلى المحتوى

الجلجلة الفلسطينية

الجلجلة الفلسطينية

يهدف هذا النص إلى تسليط الضوء على الأسباب وعلى الإطار التاريخي – الذين طالما تم إهمالهم- لنشوء دولة إسرائيل. بالرغم من أنه قد تمت كتابة هذا النص في أوخر السبعينيات إلاّ أنه يبقى معاصراً.

المقدمة

يعيش الشعب الفلسطيني منذ عدة عقود مأساة يجهلها كثير من الناس. إلى هؤلاء يوجّه “المؤمنون المستقلون” هذا الكتاب بهدف إعطاء لمحة تاريخية سريعة عن النقاط الأكثر أهمية التي أدت إلى تهجير الفلسطينيين الدموي والجائر.

من خلال هذا الكتيب، يقوم “المؤمنون المستقلون” بدعوة جميع البشر الأحرار إلى المساهمة في إعادة إحلال العدالة من خلال العمل على إنهاء المأساة المؤلمة التي يعاني منها شعب بأسره، كان ضحية إبادة جماعية غير مسبوقة، يديرها الصهاينة وعملاؤهم حول العالم. تتحقق هذه العدالة من خلال التضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله العادل لاستعادة حقوقه المشروعة ولإنشاء دولته الديمقراطية المستقلة.

نعرض التاريخ المأساوي للشعب الفلسطيني على مرحلتين:

  1. قبل النفي القسري في أيار(مايو) عام 1948، عندما اعترفت منظمة الأمم المتحدة بالدولة العبرية.
  2. بعد النفي، واستمرار المأساة في فلسطين المحتلة وبلدان المنفى.

لا نتكلم هنا من منطلق معاد للسامية إنما من أجل إحقاق العدل وتبيان الحقيقة.

المرحلة الأولى: فلسطين والفلسطينيون

يعلمنا التاريخ أن جذور فلسطين والفلسطينيين تعود إلى الأزمنة الغابرة؛ فالكتاب المقدس يأتي أيضاً على ذكر الفلسطينيين وعلى وصف فلسطين:

“…الشعب الساكنين فيها أقوياء والمدن حصينة عظيمة جداً، فإذا هي بالحقيقة تدر لبناً وعسلاً، وهذا ثمرها”. (عدد 13، 21 – 33).

هكذا بدت فلسطين والفلسطينيون في عيون الكشافين اليهود الذين أرسلهم موسى. المنطقة إذاً لم تكن لا صحراء ولا مهجورة.

مع ذلك هنالك حقيقة موثوقة غير قابلة للجدل، هي أن فلسطين كانت دائماً هدفاً للأطماع البشرية على مر القرون. وما يزيد من مأساوية الأمر هو أن البعض قد منح نفسه حقاً كتابياً مقدساً على هذا البلد، محاولاً إقحام الله في جريمة لطالما أدانها الله بلسان أنبيائه. (مراجعة نص: “المسيحيون وإسرائيل”).

الدعاية الصهيونية المعاصرة جعلت العالم، والغربي على وجه الخصوص، يعتقد أن فلسطين كانت صحراًء خالية، حوّلتها أيادي الإسرائيليين الخارقة إلى حديقة، وفقاً لتعبير غولدا مائير: “ليس هناك شعب فلسطيني… فلا وجود لهم أصلاً”. هكذا نفهم بشكل أفضل الشعار الصهيوني القائل:
“إعطاء أرض بلا شعب (فلسطين) إلى شعب بلا أرض (اليهود)”. بينما أرض فلسطين كانت دائماً مسكونة ومزدهرة وبرتقال يافا الشهي كانت دائما تدرّه أيادي الفلسطينيين.

cp_livre_palestinienne
فلسطين موجودة منذ الأزل: ليرة فلسطينية كانت تستخدم قبل إنشاء الدولة العبرية

فلسطين هي إذاً للفلسطينيين تماماً كما فرنسا هي للفرنسيين وأميركا للأميركيين. لا أحد يمكنه أن يدّعي عكس ذلك من غير المساس بالحق والعدالة. نتكلم لأننا نشعر أن الخيانة البشرية سوف تتجلى قريباً على أعلى المستويات، وأنه قد حان الوقت للتحرك من أجل تحذير الناس المضَلَلين حتى لا يغرقوا في الظلم مطالبين بتحرير باراباس (مراجعة متى 27، 17 – 26)، الذي هو اليوم المغتصب الصهيوني.

لأن فلسطين هي للفلسطينيين.

الأهداف الصهيونية في فلسطين

يطمح الصهاينة منذ عدة قرون إلى الإستيطان في فلسطين؛ “السنة المقبلة في أورشليم”، كانوا دائماً يرددون فيما بينهم دون كلل أو ملل. محَفّزين بذريعة أنهم “شعب الله المختار”، طمعوا بـ “أرض الميعاد” التي تقع في فلسطين. بينما هذه الأرض هي ملك شرعي للفلسطينيين.

للإستيلاء على هذه الأرض، ضمن الصهاينة مساهمة بريطانيا العظمى ثم أميركا، من خلال تقديم أنفسهم كحماة لمصالحهما في الشرق الأوسط. بعد أن جذبوا اهتمام الحلفاء إلى مخططهم، نجحوا في اختراق فلسطين واستقرارها في ظل حمايتهم الجبارة، مستخدمين العنف لطرد الفلسطينيين ونفيهم خارج وطنهم.

الصهاينة الذين هاجروا إلى فلسطين من زوايا الأرض الأربعة يعيشون في شقق مفروشة هي ملك للفلسطينيين المنفيين الذين باتوا يعيشون بدورهم في خيم وأكواخ فقيرة يطلق عليها “مخيمات اللاجئين الفلسطينيين”. عندما احتل الإسرائيليون شقق الفلسطينيين بالقوة، وجدوا في الخزائن ثياب رجال، نساء وأطفال لم يتسنى لأفراد العائلات الفلسطينية أخذها معهم عند هروبهم من سطوة المحتل الصهيوني الغاصب.

قبل أن تأخد هجرة الإسرائيليين طابعاً علنياً وواسعاً، بدأت بشكل سري عام 1880. الإرهاب الصهيوني ظهر فيما بعد، في ظل الإنتداب الإنجليزي. كانت هناك ثلاثة مجموعات صهيونية إرهابية مشهورة: الهاغانا، الشتيرن، والإرجون. هذه الأخيرة كان يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بغين، المسؤول عن مذبحة دير ياسين الأليمة وتفجير فندق الملك داود. اليوم، يتهم الصهاينة المقاومين الفلسطينيين بالإرهاب لأنهم يناضلون من أجل تحرير وطنهم فلسطين.

الصهيونية

بوصفها مؤسسة، لم تتجسد الصهيونية وتصبح دستورية إلا في مؤتمر بازل عام 1897.

ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية السياسية، بناءً على طلب ملح انعقد من أجله هذا المؤتمر، يؤيّد في كتابه “Der Judenstaat” (الدولة اليهوديةإستعمار فلسطين، للتوصل في النهاية إلى إنشاء دولة يهودية ذات سيادة، وحدودها: “من الشمال: الجبال المطلة على كابادوكيا (تركيا)، من الجنوب: قناة السويس، ومن الشرق: نهر الفرات”. يرتكز هذا التحديد للحدود على سوء فهم لنصوص الكتاب المقدس بما أن الأنبياء قد نقضوا عهد موسى، وخاصة أرميا، 500 سنة ق.م، الذي أعلن أن عهداً جديداً سيحل مكان الأول (راجع نص “المسيحيون وإسرائيل”). من المهم إذاً الإشارة هنا إلى أنه لا يوجد أي صلة بين إسرائيل المذكورة في الكتاب المقدس وإسرائيل عام 1948 التي اغتصبت هذا الإسم لإخفاء سرقة فلسطين.

أعلن هرتزل في مؤتمر بازل ما يلي:

“نحن موجودون هنا اليوم من أجل وضع حجر الأساس للبيت الذي سيحتضن الأمة اليهودية”.

البرنامج الذي اقترحه يمكن تخليصه بالتالي:

  1. تعزيز استعمار واسع النطاق ومنظم بعقلانية من قبل اليهود لأرض فسطين.
  2. الحصول على حق معترف به دولياً لاستعمار فلسطين.
  3. إنشاء نظام دائم (منظمة صهيونية) هدفه توحيد كل اليهود في الدفاع عن الصهيونية.

أصبحت هذه الصيغة مفتاح السياسة الصهيونية.

الإطار التاريخي

المنهج الصهيوني قبل 1914

قبل الحرب العالمية الأولى، كانت الهيمنة التركية تمتد على كامل الشرق الأوسط، بما فيه فلسطين.

في سنة 1901، قام ثيودور هرتزل بمحاولة لإقناع السلطان التركي أن باستطاعة اليهود مساعدة تركيا على استعادة مواردها المالية وتنمية ثروات الإمبرطورية العثمانية الطبيعية، واقترح إنشاء منظمة شراكة يهودية عثمانية لاستعمار فلسطين وسوريا. حتى أنه حرر ميثاقاً منحت المادة 3 منه “اليهود حق طرد السكان الأصليين”. لكن المحاولة باءت بالفشل.
بدءاً من عام 1902 تغيرت وجهة الجهود الصهيونية نحو الإنجليز وبدأ مدير منظمتهم بإجراء محادثات مع الحكومة البريطانية. أولى ثمار هذه المساعي ظهرت في عام 1914 عندما أعلن لويد جورج، مستشار وزير المالية، بعد اجتماع مع الصهيوني البارز حاييم وايزمن ما يلي:

“لقد وعدنا الزعماء الصهاينة رسمياً بأنه إذا تعهد الحلفاء تسهيل إنشاء وطن يهودي في فلسطين، فسوف يعملون كل ما في وسعهم ليحشدوا يهود العالم أجمع لمساندة قضية الحلفاء وكسب دعمهم”.

كذلك، خلال الحرب العالمية الأولى، إنضمت الحركة الصهيونية إلى بريطانيا العظمى التي كانت ترى من جهتها في الصهيونية قاعدة بريطانية في الشرق الأوسط. منذ ذلك الوقت بدأ الصهاينة يعملون لوضع حد للهيمنة التركية على فلسطين.

1914: إضعاف تركيا

بدأت الحرب العالمية الأولى. كانت تركيا آنذاك منهكة من جراء حروبها السابقة مع جيرانها، وكانت السلطة بيد “لجنة الاتحاد والترقي” التي كانت تديرها حكومة ثلاثية مؤلفة من “طلعت، جاويد، وأنور”. هذان الأخيران كانا يهوديين “مرتدّين” إلى الإسلام. تجدر الإشارة إلى أنه في ذلك الوقت كانت تركيا دولة إسلامية.

بعد مرور أربعة أشهر على بداية الحرب، ورّطت الحكومة الثلاثية تركيا المنهكة بالحرب إلى جانب ألمانيا ضد الحلفاء. شكّل ذلك القرار ضربة قاضية لتركيا أدّت إلى إنهاء هيمنتها على فلسطين، بهدف وضع هذه الأخيرة تحت سيطرة بريطانيا الداعمة للمخطط الصهيوني.

1916: إتفاقية سايكس-بيكو

في عام 1916، أبرمت الحكومتان البريطانية والفرنسية اتفاقاً سرياً يقضي بتقسيم الشرق الأوسط، وقّعه وزيرا خارجيتيهما: سايكس وبيكو. يضع هذا الاتفاق سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين تحت الانتداب البريطاني.

1917: وعد بلفور

تكللت جهود الصهاينة بالنجاح في 2 تشرين الثاني(نوفمبر) 1917، عندما أعلن لورد بلفور، وزير الخارجية البريطاني، في رسالة وجهها الى إدموند روتشيلد ما يلي:

“إن حكومة صاحبة الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل كل ما في وسعها لتسهيل تحقيق هذا الغاية، على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى على أي عمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين…”

الطوائف التي تكلم عنها كانت تتألف من المسيحيين والمسلمين، وقد تم طردهم بغالبيتهم الساحقة إلى خارج فلسطين.

بالفعل، لقد بذلت الحكومة البريطانية كل ما في وسعها لخدمة الصهيونية. كما أنها لم تحترم الجزء الثاني من وعدها: ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون اليوم منفيين من وطنهم، ولم تقم الحكومة البريطانية بأي محاولة جدية لمنع المأساة الدامية. لاحقاً، في عام 1944، نص القرار الذي تبناه المجلس التنفيذي لحزب العمال البريطاني على ما يلي:

“لنشجع العرب على المغادرة مع مجيء اليهود”.

1918: بريطانيا في الشرق الأوسط

في 3 تشرين الأول 1918 دخل الجنرال ألنبي إلى دمشق على رأس الجيش البريطاني. أعلن تولي قيادة كافة الأراضي المحتلة، بما فيها فلسطين.

1920: الإنتداب البريطاني

في 25 نيسان(ابريل) 1920، تمنح عصبة الأمم بريطانيا حق الإنتداب على فلسطين. في شهر آب من العام نفسه، تجيز الحكومة البريطانية بالسماح لـ 16500 يهودي بالهجرة كل سنة إلى فلسطين.

منذ ذلك الحين، وفي ظل الإنتداب البريطاني، بدأت وفود المهاجرين الصهاينة الهائلة تتوالى وبدأت تتضخّم أعداد اليهود في فلسطين. عارض الفلسطينيون غزو وطنهم لكن الإنجليز كانوا يقمعون كل مقاومة، دون أن يبذلوا بالمقابل أي جهد لإيقاف الهجرة اليهودية الطوفانية. في سنة 1925 تجاوز عدد المهاجرين حاجز الـ 16500 في السنة ليبلغ حوالي 33801 مهاجراً، ما كان يشكل 3.5% من عدد السكان، وفي سنة 1935 وصل العدد إلى 60.000 مهاجر، أي 4.7% من عدد السكان.

شرع الغزاة الصهاينة، تحت الانتداب البريطاني، بعملية قضم أراضي الفلسطينيين، متعدين بذلك على حقوق المجتمعات الغير يهودية التي كانت تعيش في فلسطين.

1929: الثورة الفلسطينية

أبدى الفلسطينيون استيائهم من المؤامرة اليهودية البريطانية. فحصلت عدة مواجهات بين الفلسطينيين والصهاينة. في آب(اغسطس) 1929، أعادت حادثة إشعال فتيل العداوة في كل البلد، كانت حصيلتها 249 قتيلاً و571 جريحاً.

1936: الثورة الفلسطينية تتنظم

في نيسان(ابريل) 1936 بدأت الثورة الفلسطينية. قام الفلسطينيون بتأسيس مجلس أعلى ودعوا إلى إضراب عام “إلى أن تغيّر الحكومة البريطانية سياستها الحالية بشكل كامل وتبدأ بوقف هجرة اليهود إلى فلسطين”. استمر الإضراب ستة أشهر وامتدت الانتفاضة إلى كافة أنحاء البلاد. في تلك السنة قال لويد جورج لبن غوريون معلقاً على تلك الأحداث:

“يخشى العرب أن تصبح فلسطين دولة عبرية؛ حسناً، إن فلسطين ستصبح حتماً دولة عبرية”.

في حزيران(يونيو) 1936، زودت بريطانيا العظمى اليهود بالسلاح لمحاربة الفلسطينيين الذين كان يسيطر عليهم القلق. سلّح الإنجليز آلاف الشبان اليهود ونظموهم ضمن وحدات عسكرية إقليمية للمساعدة على فرض الأمن مشكّلين بذلك نواة جيش يهودي يعمل في العلن إلى جانب قوات الهاغانا اليهودية الإرهابية السرية. كان الرائد الإنجليزي وينجيت هو المسؤول عن تدريبهم بأمر من الجنرال ويغل.

1937: إنجلترا تقترح التقسيم

إقترحت إنجلترا تقسيم البلد إلى دولتين: فلسطينية ويهودية. كانت تلك أول اشارة إلى “دولة يهودية” وقد تخطّت الحدود المقترحة للدولة العبرية بشكل فاضح الأراضي التي كان يملكها اليهود آنذاك، التي كانت تقدر بـحوالي 5.4% من فلسطين. كانت الدولة اليهودية تشكل 25% من فلسطين.

غمرت السعادة القادة الصهاينة، فعلق بن غوريون قائلاً:

“هذه الدولة اليهودية التي يقترحونها علينا لا تتوافق مع الهدف الصهيوني، لكنها ستكون مرحلية… سنخرق الحدود التي ستُفرض علينا”.

في تشرين الأول(اوكتوبر)، ومن بين التدابير التي اتخذها الإنجليز لإضعاف الفلسطينيين، تم اعتقال خمسة من أهم أعضاء المجلس الأعلى ونفيهم إلى جزر السيشيل (المحيط الهندي).

1939: الصهيونية تحوّل اتجاهها نحو اميركا

في نهاية عام 1939 تمت السيطرة على العصيان الفلسطيني: سُجن 5679 فلسطيني وشُنق 110 آخرون.

في 1 أيلول(سبتمبر) 1939، بدأت الحرب العالمية الثانية. عندما رأى الصهاينة أن إجلترا بدأت تضعف قاموا بتغيير سياستهم والتحول إلى أميركا. كتب بين غوريون في ملاحظاته عن هذا الموضوع:

“همّنا الرئيسي كان مصير فلسطين بعد الحرب… كان جلياً أن نهاية الانتداب الإنجليزي أصبحت وشيكة… من جهتي، لم أكن أشك بأن مركز ثقل جهودنا الأساسية سينتقل من المملكة المتحدة إلى أميركا، التي كانت قد بدأت تحتل المركز الأول في العالم، وحيث يوجد العدد الأكبر من اليهود والأكثرهم نفوذاً”.

1941: الصهيونية تنضم إلى أميركا

بدأ يهود أميركا وصهاينة العالم أجمع يصرّون على المطالبة بإنشاء دولة يهودية في فلسطين بعد الحرب. شكّل الصهاينة الأميركيون لجاناً يهودية مسيحية هدفها حشد مسيحيي ورجال دين أميركا لخدمة القضية الصهيونية. لم يتوانى اليهود عن استغلال التفسير الحرفي للكتاب المقدس لبعض المسيحيين المزعومين – الأميريكيين بغالبيتهم- مستندين إليه لتبرير مزاعمهم. ضمنوا دعم الصحافة والمسؤولين الرسميين، حاقنين بذلك دماء القومية الصهيونية في أوردة أميركا بأكملها.

1943: الصهيونية تتخلى عن إنجلترا

في 17 آذار(مارس) ، أعلن بن غوريون أن انتهاء الحرب لا يعني انتهاء نضال اليهود، لأن الصهاينة في فلسطين لن يتعاونوا مع السلطات البريطانية.

1944- 1945: الإرهاب الصهيوني

إنها نهاية الحرب.

الصهاينة، الذين دخلوا بالقوة إلى فلسطين في ظل حماية الإنجليز، بدأوا بممارسة الإرهاب المنظم ضد الفلسطينيين وكبار موظفي الحكومة البريطانية. نجحوا في كسب الدعم المطلق والغير مشروط للرئيس الأميركي روزفلت، الذي قال لستالين خلال مؤتمر يالطا (شباط(فبراير) 1945):

“أنا صهيوني، وأنتم؟” فأجابه ستالين: “أنا كذلك في المبدأ، لكنني لا أتجاهل المصاعب”.

بعد موت روزفلت، تولى هاري ترومان سدة الرئاسة. اشترك هذا الأخير في البرنامج الصهيوني وأجاب على اعتراضات أربع سفراء أميركيين في بلدان عربية قائلاً:

“آسف يا سادة، مئات الآلاف يتلهفون لنجاح الصهيونية؛ وليس عندي مئات الآلاف من العرب بين ناخبيني”.

في تموز(يوليو) 1945، تدخل ترومان لإقناع الحكومة البريطانية بمنح اليهود 100.000 شهادة هجرة.

في آب 1945، أعلن بن غوريون إنشاء دولة يهودية.

1946: تدمير مقر القيادة العامة الإنجليزي

في 22 تموز(يوليو)، قام مناحيم بغين، على رأس مجموعة إرهابية، بتفجير فندق الملك داود في القدس، مقر القيادة العامة للقوات البريطانية. الحصيلة: 200 قتيل، معظمهم من الإنجليز.

1947: منظمة الأمم المتحدة تصوت لمصلحة تقسيم فلسطين

في 11 تشرين الأول(اوكتوبر)، ووفقاً لتعليمات ترومان، تدعم حكومة الولايات المتحدة الأميريكية في منظمة الأمم المتحدة مخطط تقسيم فلسطين. مكانة الولايات المتحدة الأميركية دفعت بلداناً أخرى إلى الحذو حذوها.

في 29 تشرين الثاني(نوفمبر)، صوتت الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة لصالح تقسيم فلسطين إلى ثلاثة مناطق: فلسطينية، صهيونية، ومحايدة (القدس والأماكن المقدسة).

ردة فعل العرب كانت فورية وعنيفة، فانطلقت مظاهرات الاحتجاج في كافة البلدان العربية. في فلسطين نفسها، لم يكن الفلسطينيون قد تعافوا بعد من انتفاضة 1936 – 1939 بسبب الخسائر العديدة في الأرواح البشرية، نفي مسؤوليهم ومصادرة مجمل سلاحهم من قبل الإنجليز. فلم يكن باستطاعتهم إذاً التصدي لليهود المنظمين والمدججين بالسلاح الذين كثّفوا عملياتهم الإرهابية لإرغام الفلسطينيين على مغادرة البلاد. حصلت اعتداءات في كافة أنحاء البلاد خصوصاً في القدس، حيفا، جافا، صفد، وغيرها. دمّر اليهود الجسور، المنازل، المحلات، المخازن… التي كانت ملكاً للفلسطينيين.

1948: منظمة الأمم المتحدة تعترف بدولة إسرائيل

مجزرة دير ياسين: في 9 نيسان(ابريل) 1948، هاجمت مجموعات مناحيم بغين الإرهابية قرية دير ياسين الفلسطينية وارتكبت مذبحة عشوائية بحق سكانها. نفى بن غوريون أن يكون له أي ضلع في هذه المجزرة. قال م. بيغين، زعيم الإرجون، في تعليق له على مجزرة دير ياسين:

“المجزرة لم تُبرر فحسب، بل ما كانت ستكون هناك دولة إسرائيلية لولا انتصار دير ياسين”.

بعد هذه المجزرة، بدأ نزوح الفلسطينيين الجماعي خوفاً من مذابح أخرى مثل دير ياسين، التي شكلت كذلك الخطوة الأولى من مخطط تهجير الفلسطينيين، المجردين من السلاح، والذين كانوا يخلون مدناً برمتها مثل حيفا تحت وطأة تهديد الإرهابيين الصهاينة. سقطت حيفا في أيدي الصهاينة في 22 نيسان(ابريل) 1948.

عند دخولهم إلى حيفا، هدد الصهاينة السكان بواسطة مكبرات الصوت، مشيرين عليهم بالهرب وإلا سيكون مصيرهم مثل مصير أهل “دير ياسين”. لم يكن لديهم من خيار سوى الهرب باتجاه المرفأ حيث كانت تنتظرهم السفن الإنجليزية لتنقلهم إلى بلدان عربية أخرى. في تلك الليلة بالذات، هرب نصف سكان مدينة حيفا الذين كان يتجاوز عددهم الـ 100.000.

استمرت الولايات المتحدة بدعم الصهاينة بشكل مطلق وغير مشروط، صارفة النظر عن الإرهاب الاسرائيلي؛ ففي 23 نيسان(ابريل) 1948، الرئيس ترومان يبلغ ويزمان أن الولايات المتحدة ستعترف بقيام الدولة اليهودية فور الإعلان عن إنشائها.

في 15 أيار(مايو) 1948 انتهى الانتداب البريطاني. في الساعة التاسعة صباحاً، غادر آخر مندوب سامي بريطاني البلاد. في الساعة الرابعة من بعد الظهر، أعلن بين غوريون قيام دولة إسرائيل أمام 200 شخصية ومصور وصحافي.

في اليوم نفسه احتلت القوات اليهودية عكا والجليل الغربي وطردوا أصحاب الأرض.

عند مغادرتهم القدس، سلم البريطانيون أهم المباني الإستراتيجية إلى الهاغانا. من أعالي هذه المباني هاجمت قوات الهاغانا أحياء الفلسطينيين السكنية الآمنة في المدينة واحتلتها، دون أن تستطيع دخول المدينة القديمة حيث الأماكن المقدسة بسبب المقاومة الفلسطينية الشرسة.

بعد مرور 16 دقيقة على إعلان بن غوريون إنشاء دولة إسرائيل، اعترفت الولايات المتحدة بقيامها. في اليوم التالي عمل الإتحاد السوفياتي بالمثل.

مع إعلان إنشاء دولة إسرائيل، تم نفي 1.000.000 فلسطيني من وطنهم. حتى أيار(مايو) 1948 كان الفلسطينيون قد عانوا الأمرين من الصهيونية في فلسطين، في بيتهم. بعد 1948، تفاقمت المأساة الفلسطينية واستمرت تحت الإحتلال الصهيوني وفي المنفى على حد سواء.

تشرد هذا الشعب، الذي تفككت عائلاته، داخل خيم بائسة وفي أحياء فقيرة في غزة، والأردن، وسوريا ولبنان.

cp_menahem_begin_carter
قناعة في “المناصب العليا” (ج. كارتر وم. بغين)
cp_exil_palestinien
النفي القسري للفلسطينيين

المرحلة الثانية: بعد التهجير

بعد إرغام حوالي 1.000.000 فلسطيني على الرحيل من وطنهم، استمر الصهاينة، الذين استخفوا بالحدود التي رسمتها منظمة الأمم المتحدة، بمخططهم التوسعي داخل فلسطين، وذلك بتضييق الخناق على الفلسطينيين، الذين بقوا في البلد، من خلال عمليات ارهابية ومذابح جماعية. هكذا استمرت مأساة الفلسطينيين على صعيدين: الداخلي، تحت الاحتلال الصهيوني، والخارجي، بالمنفى.

داخل فلسطين

قاوم الفلسطينيون على قدر استطاعتهم حركة النفي التي تعرضوا لها بعنف. وصف الكاتب الصهيوني جون كيمحي في مجلة الجويش اوبسرفر (3. 3. 1967) كيف “دخل الجنرال موشي دايان في تموز(يوليو) 1948 إلى مدينة اللد بسرعة فائقة مطلقاً النار ومثيراً الرعب في كل مكان… وكيف هرب السكان الفلسطينيون الذين بلغ عددهم 30.000 شخصاً وتجمّع بعضهم على طريق رام الله. في اليوم التالي استسلمت مدينة الرملة أيضاً وشهد سكانها المصير نفسه. نهب الإسرائيليون وخرّبوا المدينتين بكاملهما.

على الرغم من ذلك، بقي الرأي العام العالمي مؤيداً للإسرائيليين ومعادياً للفلسطينيين. التأثير الصهيوني في الولايات المتحدة – الذي عززه اقتراب موعد الإنتخابات في تشرين الثاني(نوفمبر) 1948- جعل السياسة الأميركية أيضاً أكثر مناصرةً للصهيونية. تم تزويد الإسرائيليين بالسلاح والطائرات الحربية، بالإضافة إلى تفويض عسكريين من الجيش الأميريكي بالقتال إلى جانب الإسرائيليين: “ضباط ونقباء أميريكيون سابقون كانوا في مراكز القيادة في الجيش الإسرائيلي” (صحيفة التايمز في 3. 5. 1967). في كتابه عن سيرة حياة بن غوريون، نقل مايكل بار زوهار عن بن غوريون قوله عن هؤلاء العسكريين الأميريكيين: “لا أعرف إن كنا سنربح الحرب لولا مساعدتهم”.

بعد حرب 1967 احتلت إسرائيل القدس بكاملها، استولت على الجولان، الضفة الغربية، غزة وسيناء وواصلت تهويد فلسطين على امتداد رقعة أراضيها.

كان مصير الوطنيين الفلسطينيين أكثر مأساوية. فقد اتُهموا “بالإرهاب”، رميوا في السجون وتعرضوا لأشنع أنواع التعذيب. ممثلو منظمة الصليب الأحمر الدولية مُنعوا من دخول السجون للاطمئنان على أوضاع السجناء الفلسطينيين. نشرت مجلة الـ”سنداي تايمز” في سنة 1977 تقريراً مروعاً حول سوء المعاملة اللإنسانية التي كان يتعرض لها السجناء الفلسطينيين.

تنص المادة الثالثة من قانون الطوارىء الذي ما يزال يُعمل به حتى اليوم “أنه يحق للدولة الاسرائيلية أن تعتقل إدارياً، في أي مكان وزمان، أي شخص في المنطقة التي احتلتها، دون الحاجة إلى توجيه التهم إلى الشخص المعتقل”.

بهذه الطريقة تم القبض على عدد من الشخصيات المحترمة بسبب شهادتهم لصالح القضية الفلسطينية. من بين هذه الشخصيات المعروفة نذكر مطران القدس للروم الكاثوليك هيلاريون كابوشي، الذي سجن عام 1974 وأطلق سراحه عام 1977، بعد أن أمضى ثلاثة سنوات ونصف السنة في السجون الإسرائيلية.

cp_hilarion_capucci
المطران هيلاريون كابوشي: تضامن مع الفلسطينيين

هنالك ما يقارب 4000 فلسطيني معتقلين في السجون الإسرائيلية الثلاثة والثلاثين. هذه السجون هي إنشاءات قديمة ذات غرف مظلمة رطبة لا تدخلها الشمس الإ نادراً أو لا تدخلها بتاتاً. تفوح فيها روائح نتنة بسبب شبكة أنابيب الصرف الصحي المهترئة. بعض الغرف المخصصة لـ 15 سجين، كانوا يعتقلون فيها 45. كي يناموا، كان عليهم أن يتوزّعوا على ثلاث مجموعات ويتعاقبون على النوم الواحدة تلو الأخرى.

خارج فلسطين

كان شتاء 1948 – 1949 بشكل خاص قاسياً بالنسبة للاجئين الفلسطينيين. كانوا من دون كساء ولا مأوى. مات الكثيرون بسبب الجوع والبرد القارس. حتى أن بعض الشهود قالوا أنهم “رأوا أولاداً أياديهم كعيدان الكبريت وبطونهم منتفخة بسبب المجاعة المستفحلة. عدد كبير من الأطفال ماتوا بسبب نقص الغذاء والحليب”.

على الرغم من كل ذلك، ظل القادة الإسرائيليون متمسكين بمبدأ الدولة الصهيونية، المحض يهودية، رافضين بشكل قاطع إعادة اللاجئين الفلسطينيين لأنهم كانوا من المسيحيين والمسلمين.

cp_camp_refugies_palestiniens
مخيم للاجئين الفلسطينيين

قامت الدولة العبرية بمصادرة ممتلكات الفلسطينيين: أراض، منازل، محال تجارية، مخازن، مشاغل، إلخ… تم الاستيلاء عليها كلّها. مئات الآلاف من العائلات طُردت من فلسطين في ليلة من ليالي عام 1948، دون مال، دون وثيقة سفر أو أوراق ثبوتية، دون شهادات أو وسائل لمزاولة أي مهنة. طُردوا من دون سابق إنذار ولا أي استعداد مسبق، مكثوا في خيم، بعيداً عن وطنهم، تحت رحمة ضمير عالمي عديم الشفقة إزاءهم، بذريعة أن ذلك هو حق مكتسب للمغتصبين الإسرائيليين. الضمير الغربي، لشعوره الشديد بالذنب بسبب جرائم هتلر، أراد أن يستعيد ماء وجهه أمام الصهاينة من خلال غض الطرف عن أكبر وأشنع جريمة تُرتكب بحق أبرياء، ما زالت تتوالى فصولها من أكثر من ثلاثين سنة.

في المنفى، حُرم الفلسطينيون من أبسط حقوقهم المدنية. غالباً ما كانوا يعانون الأمرين، ولم يكن مرّحباً بهم في البلدان المضيفة. في مخيمات اللاجئين التي تكتظّ بهم، لم يعد يسمح لهم بحفر قنوات الصرف الصحي تحت الأرض أو إمدادات مياه الشرب.

الشعب الفلسطيني اللاجىء المفكك يعيش في الخوف والرعب.

م.ت.ف. (منظمة التحرير الفلسطينية)

في 28 أيار(مايو) 1964، عُقد المؤتمر الفلسطيني الوطني الأول في القدس حيث تم الإعلان عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية وصودق على الميثاق الوطني للمنظمة. هكذا أصر الكيان الفلسطيني على حقوقه، واضعاً حدّاً لحالة من الفوضى العارمة.
في هذه السنة بالذات تم إنشاء جيش التحرير الفلسطيني.

في 1965، أخذ النضال من أجل تحرير فلسطين منحاً مصيرياً جديداً مع ظهور “الفدائيين”، المقاومين الفلسطينيين العاملين داخل الأراضي المحتلة من أجل تحرير وطنهم.

cp_fedayin_OLP
“الفدائيون” ! حق الفلسطينيين باسترجاع أرضهم!

العدوان الصهيوني عام 1967

في حزيران(يونيو) 1967، استولى الصهاينة على القدس، الجولان (سوريا)، سيناء (مصر)، وكل الضفة الغربية. نبذت الحكومة العبرية فيضاً جديداً من الفلسطينيين الذين غادروا بعشرات الآلاف إلى الأردن عبر جسر اللنبي، وتوزّعوا على مخيمات اللاجئين. المأساة تتوالى فصولها: 410.000 لاجىء جديد تمّ تهجيرهم لينضّموا إلى قافلة المنفيين.

في قرار صدر في 22 تشرين الثاني(نوفمبر) 1967، طلب مجلس الأمن من “إسرائيل” الإنسحاب من الأراضي التي احتلتها في حزيران(يونيو) 1967، فجاء الردّ على لسان م. أبا إيبان، وزير الشؤون الخارجية الإسرائيلي قائلاً:

“لو صوتت الجمعية العمومية بـ 121 صوتاً في مقابل صوت واحد لصالح عودة إسرائيل إلى خطوط الهدنة (حدود ما قبل حزيران(يونيو) 1967)، فإن إسرائيل سترفض التقيد بهذا القرار”. (نيويورك تايمز 19. 6. 1967).

محاولتا إبادة جماعية

في المنفى، تعرض اللاجئون الفلسطينيون لعمليتي إبادة جماعية من قبل البلدان المضيفة: في الأردن، عام 1970، وفي لبنان، عام 1975.

في الأردن

رفض اللاجئون الفلسطينيون أن يتم امتصاصهم من قبل النظام الأردني وأعلنوا عن حقهم بالنضال لتحرير فلسطين انطلاقاً من الأردن. في أيلول 1970، صدرت عن الملك حسين ردة فعل عنيفة: فقد هاجم جيشه مخيمات اللاجئين مسقطاً الآلاف بين قتيل وجريح. إنه “الأيلول الأسود” الشهير.

من جديد في 1971، ملك الأردن يعاقب بقسوة. كانت حصيلة المجزرتين حوالي 25.000 بين قتيل وجريح. فكان على أكثر من 200.000 فلسطيني أن يهربوا إلى سوريا ولبنان.

في لبنان

مدركين خطر الاعتداءات التي كان يحضّر لها ضدهم، طلب الفلسطينيون من الحكومة اللبنانية حماية مخيماتهم من الاختراقات الغريبة. فأجابهم رئيس الجمهورية آنذاك، سليمان فرنجية، أن الدولة ليست قادرة على حمايتهم وأن عليهم أن يتولوا الأمر بأنفسهم.

في ليلة 13 نيسان 1973، نزلت قوات كوموندوس إسرائيلية على شاطئ بيروت، وبمؤازرة بعض عملائها اللبنانيين، توجّهوا إلى منازل ثلاثة قادة فلسطينيين وذبحوهم في مضاجعهم.

بعد هذه الحادثة، قرر الفلسطينيون إقامة حواجز أمنية حول مخيماتهم من أجل تأمين حد أدنى من الحماية. في بيروت، تمّ إقامة أربعة حواجز، إثنين منها كانا غير ثابتين.

قسم من اللبنانيين (اليمين المتطرف)، وعلى رأسهم حزب الكتائب المسيحي، اعتبروا أن هذه الحواجز تمسّ بالسيادة اللبنانية. بالمقابل، برر القوميون اللبنانيون – مسيحيون ومسلمون – الفلسطينيين بسبب نيلهم موافقة مسبقة منحتهم حق الدفاع عن أنفسهم، ولأن هذه الحواجز، القليلة العدد على أي حال، لا تتخطى حدود وإطار مخيمات اللاجئين.

أبقى بعض كبار المسؤولين المسيحيين من اليمين المتطرف، المناصرين لإسرائيل، على حالة توتر مع الفلسطينيين. وتم بالتالي بث شعور معاد للفلسطينيين في اليمين المسيحي اللبناني الذي تجاوب تلقائياً بإظهار مشاعر الكراهية تحاه الفلسطينيين.

في 13 نيسان(ابريل) 1975، وبمناسبة ذكرى الشهداء الفلسطينيين، عقد اللاجئون اجتماعاً في أحد مخيماتهم. بعد انتهاء الإجتماع، كانت هناك حافلة ركاب لتعيد حوالي 25 فلسطينياً بين رجال ونساء وأطفال إلى مخيمهم. في طريق العودة، وخلال مرورهم في حي ماروني لليمين المتطرف (المسيحيون الكتائبيون)، اعترضهم رجال ميليشيا مسلحين بالبنادق الرشاشة. جميع من كانوا في الحافلة لقوا مصرعهم.

هذه هي الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية في لبنان. تضامن الوطنيون اللبنانيون مع الفلسطينيين لمواجهة مخطط إبادة جماعية حيك في الظل من قبل الإسرائيليين وأدواتهم اللبنانيين والعرب.

أربعة مخيمات فلسطينية كانت موجودة في المناطق المسيحية المارونية تم تدميرها تدميراً كاملاً. إثنان من هذه المخيمات – الكرنتينا وتل الزعتر – كانا يأويان فلسطينيين ولبنانيين من جنوب لبنان هربوا من الغارات الإسرائيلية بعد أن دُمّرت منازلهم. المخيمان الأخريان – ضبية وجسر الباشا – كانا يأويان الفلسطينيين المسيحيين من طائفة الروم الكاثوليك.

cp_tall_al_zaatar_after
مخيم تل الزعتر بعد المجزرة

بعد هذه الأحداث، قررت مجموعة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى جنوب لبنان. مرة أخرى يعود اليمين المتطرف اللبناني إلى اتهام “اللاجئين الفلسطينيين بمحاولة الاستيلاء على لبنان وأخذه كوطن بديل لفلسطين” (بيار الجميل، قائد حزب الكتائب المسيحي، إلى جريدة “لوريون لوجور” في 9. 1. 1978). من جهة أخرى، بثّ اليمين المتطرف اللبناني إشاعات في وسائل إعلامه مفادها أن الفلسطينيين كانوا يقومون بشراء أراض في جنوب لبنان ليستقروا فيها.

في مواجهة المؤامرة الهادفة إلى تشويه سمعة المقاومة الفلسطينية بهدف القضاء عليها، كانت هذه الأخيرة تعلن مراراً وتكراراً، رسمياً وعلانية، أن الفلسطينيين لن يقبلوا أبداً بأي وطن بديل بالمقابل حتى ولو كانت الجنة ذاتها.

استمر الكفاح من أجل البقاء وتحرير فلسطين. هذا الكفاح هو رمز: من يعمل لتحرير فلسطين، يعمل لتحرير وطنه.

ملحق من الكتاب المقدس

يتحجج الصهاينة بمعاداة السامية في كل مرة يدين أحد ما جرائمهم. وبما أنهم يستندون إلى الكتاب المقدس لتبرير اغتصابهم لأرض فلسطين، رأينا أنه من الضروري أن نثبت أن الكتاب المقدس هو الكتاب الأكثر “معاداة للسامية” لأنه لم يتوقف عن إدانة الروح الصهيوني المناهض للمفهوم الروحي للخلاص ولأرض الميعاد، كما ولشمولية الاختيار.

يمكن للقارىء المسيحي الحصيف أن يدرك بسهولة عدم وجود أي صلة حقيقية بين إسرائيل عام 1948 المصطنعة التي هي من صنع البشر، وإسرائيل النبوية والروحية التي يتكلم عنها الكتاب المقدس.

لفهم المسألة بشكل أفضل، يرجى مراجعة نص: “المسيحيون وإسرائيل”.

بطرس)

1978

Copyright © 2024 Pierre2.net, Pierre2.org, All rights reserved.