انتقل إلى المحتوى

مريم في القرآن الكريم

يحتوي القرآن الكريم على آيات فائقة الجمال عن مريم، أم عيسى (يسوع). من خلال شهادته لعيسى وامّه مريم، يؤثّر النبي محمد في قلب كل مؤمن حقيقي.
إن مريم هي حقّاً الجسر السماوي الذي يربط المؤمنين المحررين الآتين من العالم الإسلامي، المسيحي واليهودي. طوبى للذين يكتشفون روعة وعظمة مريم، أم يسوع، ودورها في مخطط الرحمَن.

الحبل بلا دنس

يؤكّد القرآن على مكانة مريم المتميزة في مخطط الله. فيقول الله تعالى:

[ وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ] (قرآن 3؛ آل عمران، 42).

اصطُفيت مريم كي تكون أم المسيح، كلمة الله.
فيقول القرآن الكريم:

[ المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ] (قرآن 4؛ النساء، 171).

هذه الآية تكشف عظمة عيسى (يسوع) ابن مريم: إنه كلمة الله وروح الله. كي تكون جديرة بأن تصبح “وعاء” كلمة الله على الأرض، عُصمت مريم من كل خطيئة منذ أن حملت بها أمّها.
كشف لنا النبي محمد أن مريم هي الحبل بلا دنس قبل الكنيسة الكاثوليكية بزمن بعيد، التي أعلنت بدورها عن هذه العقيدة سنة 1854.
فيقول النبي الكريم في حديثه الشريف:

“ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسّه حين يولد، فيستهل صارخاً من مس الشيطان (وصمة الخطيئة الأصليةإلاّ مريم وابنها” (تفسير “الجلالين” للآية 35 من سورة آل عمران).

إذاً، إن عيسى وأمّه مريم هما الوحيدان اللذان حُفظا من مس الشيطان.
يكشف لنا النبي محمد أيضاً أن مريم قد نذرتها أمّها إلى الله عندما كانت حبلى بها وعندما ولدتها. فيقول القرآن الكريم عن امرأة عمرآن (حنّة):

[ إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرَّراً فتقبّل مني إنك أنت السميع العليم (35) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها (عيسى) من الشيطان الرجيم ] (قرآن 3؛ آل عمران، 35 – 36).

سمع الآب صلاة أمّها، امرأة عمران، فصان مريم ووهبها أن تنتصر على جميع إغراءات الشيطان.
كان على مريم أن تكون كلية الطهارة وأن تتقولب كلياً بالروح القدس حتى يمكنها استقبال كلمة الله وتقديمه للعالم. لقد طُهّرت (قرآن 3؛ آل عمران 42) ليكون بإمكانها أن تستقبل [ غلاماً زكيّاً ] بشّرها به الملاك (قرآن 19، مريم 19).

بتولية مريم

بالنسبة إلى بتولية مريم، يعبّر الله عن ذلك في القرآن في الآيتين التاليتين:

[ ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين ] (قرآن 66؛ التحريم 12).

[ والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ] (قرآن 21؛ الأنبياء 91).

هكذا يصدّق النبي محمد على بتولية مريم. علاوة على ذلك، أُعطيت أمّنا أن تكون قدوة لجميع المؤمنين. فمن يتقرّب من مريم، يتقرّب من ابنها يسوع.
[ نفخ الله من روحه ] في مريم. المقصود هو الروح القدس الذي نزل على مريم ليجعلها تحمل بيسوع. فينقل لنا إنجيل لوقا قول الملاك لمريم:

“الروح القدس يحلّ عليكِ، وقدرة العلي تظللك، لذلك فالقدوس الذي يولد منك يدعى ابن الله” (لوقا 1، 34 – 35).

وفي القرآن الكريم:

[ قال إنما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكياً (19) قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيّاً (20) قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّن ولنجعله آية للناس ورحمة منّا وكان أمراً مقضياً (21) فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً ] (قرآن 19؛ مريم 16 – 22).

الأمر كان مقضياً وعُمل به بفضل جواب مريم: “نعم”. عندئذٍ نفخ الله فيها من روحه (قرآن 21؛ الأنبياء 91) [ فحملته ] (قرآن 19؛ 22).
حملت مريم بيسوع بأعجوبة من الروح القدس.
الحمل العجائبي إذاً يصدّق عليه الإنجيل والقرآن معاً (مراجعة الشرح المفصّل في نص “نظرة إيمان بالقرآن الكريم”، الفصل 4. 2، المسيح ولقب ابن الله).
شهادة النبي محمد مؤثّرة:

[ …وجعلناها وابنها آية للعالمين ] (قرآن 21؛ الأنبياء 91).

هذه الآية العظيمة [ للعالمين ] هي آية للعالم الإسلامي، والمسيحي واليهودي. وهي آية كلمة الله وأمّه الطاهرة بيننا.
يصدّق النبي محمد على ذلك من خلال الآية التالية:

قرآن 3؛ آل عمران 45: [ إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله يبشّرك بـ كلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين ].

لفهم البُعد الكامل لكلمة الله، يجب الرجوع لإنجيل يوحنّا:

“في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هو في البدء كان عند الله. به كان كل شيء، وبغيره ما كان شيء مما كان. فيه كانت الحياة، وحياته كانت نور للناس. والنور يشرق في الظلمة، والظلمة لا تقوى عليه… والكلمة صار بشراً وعاش بيننا…” (يوحنا 1، 1 – 16).

هكذا، بكلامه عن [ كلمة منه (الله) ] ستولد من مريم العذراء، يقيم النبي محمد، بصورة غير قابلة للجدل، صلة وثيقة مع آيات يوحنا عن طبيعة الكلمة.
يشدد محمد أنه سيكون [ وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ]. ومن يمكنه أن يكون أكثر وجاهة من كلمة الله؟
أن يشهد النبي محمد على أن عيسى هو كلمة الله، فإنّه يحثّ إذاً كل المسلمين على الإصغاء إلى كلام الحياة الصافي لكلمة الله. وهذا الكلام موجود في الإنجيل.
نشكر النبي محمد على هذه الشهادة الصادمة لصالح يسوع، كلمة الله، وأمّه. هذه الشهادة التي تجمع المؤمنين الحقيقيين، المتحررين من كل تعصب، حول مريم، أم جميع المؤمنين.

طفولة مريم

خلال طفولتها عُهد بمريم إلى الهيكل تحت رعاية زكريا. فكانت في كل يوم تتغذى بأعجوبة إلهية:

[ فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ] (قرآن 3؛ آل عمران، 37).

كانت مريم تحصل من الله كل يوم على الغذاء الروحي اللازم لتحضيرها لرسالتها الكبيرة: أن تكون أم المسيح الذي بشّر بمجيئه جميع الأنبياء. كان الله يغذّي روح مريم بغذاء الروح القدس حتى يمكنها استقبال ابنها.
هذا يحتوي على رمزية كبيرة. بالقرب من مريم الغذاء الروحي وفير، فقد أُعطيت [ بغير حساب ]. بالقرب منها نجد كل النعم. إن رضي الله أن يغدق عليها بالغذاء الروحي قبل ولادة يسوع، فكيف كان الأمر بالأحرى أثناء حملها وفيما بعد خلال حياة يسوع؟
هذا الغذاء الذي كانت تحصل عليه مريم يومياً يرمز أيضاً إلى خبز الحياة، جسد ودم يسوع الذي يأتي إلى الحياة في أحشائها ليهب نفسه إلى العالم والذي يُعطى [ بغير حساب ]. مريم هي أول من تناول جسد يسوع، بما أنها تلقته في داخلها.
لذلك يغنّي نشيد الأنشاد الحنطة في بطن مريم بأسلوب مجازي:

“سرّتك كأس مدورة مزيج خمرها لا ينقص، وبطنك عرمة حنطة، يسيّجها السوسن” (نشيد 7، 2).

هذه الآية تنطبق على أمّنا مريم. فالخبز والخمر قد خرجا من بطنها المبارك.
ينطبق ذلك على دعوة القرآن جميع المؤمنين إلى التغذّي من [ المائدة النازلة من السماء ]، [ عيد لأوّلنا وآخرنا ] (قرآن 5؛ المائدة، 112 – 115).
النبي محمد يؤكد بدقّة متناهية على هذه الحقائق الأبدية (مراجعة نص “خبز الحياة في الكتاب المقدس والقرآن الكريم” و “مريم في الكتاب المقدّس”).
ويضيف قائلاً إن الله [ أنبتها (مريم) نباتاً حسناً ]، كما ذكر في الآية 37. المقصود هو إنبات (نمو) في “القامة والحكمة والنعمة عند الله والناس”، كما كان الحال بالنسبة ليسوع (لوقا 2، 52).
كان على مريم أن تنضج وأن تعلو بالروح ليمكنها مشاركة حميمية كلمة الله وروحه.
ما أروع التأمل بفيض الروح القدس مع كل نعمه التي كانت تسيل بين يسوع ومريم.
لهذا السبب شدد النبي محمد قائلاً:

قرآن 23، المؤمنون 50: [ وجعلنا ابن مريم وأمّه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ].

هذه الربوة الهادئة هي الربوة الداخلية التي لا يمكن لأي ضجيج على الأرض أن يعكر صفوها. إنه الحوار الداخلي من القلب للقلب بالروح القدس. والنبع الذي يفيض منه هو بكل تأكيد الروح القدس نفسه وفقاً لكلام يسوع للمرأة السامرية:

“أمّا من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش أبداً. فالماء الذي أعطيه يصير فيه نبعاً يفيض بالحياة الأبدية” (يوحنا 4، 14).

ويفسّر يسوع ذلك فيما بعد:

“ووقف يسوع في آخر يوم من العيد وهو أعظم أيامه، فقال بأعلى صوته: إن عطش أحد، فليجئ إلي ليشرب. ومن آمن بي، كما قال الكتاب، تفيض من صدره أنهار ماء حي. وعنى بكلامه الروح الذي سيناله المؤمنون به، فما كان الروح أعطي حتى الآن، لأن يسوع ما تمجّد بعد” (يوحنا 7، 37 – 39).

على الصليب تمجّد يسوع، مناقضاً كل عقلية بشرية. على الصليب قضى يسوع على الذهنية الصهيونية في قلوب رسله. ففتح بذلك الباب لمجيء الروح القدس الذي، بتحرره من ذلك المانع، أصبح بإمكانه الجريان مثل نهر وإرواء القلوب الطاهرة.
يدعو النبي محمد إذاً جميع المؤمنين الحقيقيين إلى التقرب من هذه [ الربوة ذات قرار ومعين ] للاستقاء من نبع الروح القدس الذي يفيض بفضل صليب يسوع. إنه نبع شامل وغني اليوم بدماء الشهداء الذين قتلهم الوحش (مراجعة “مفتاح سفر الرؤيا”).

خلاصة

هكذا يؤكد النبي محمد في القرآن الكريم على أهمية العذراء مريم في مخطط الله.
لقد أتى القرآن الكريم على ذكر مريم 33 مرّة، مرّة لكل سنة قضتها مع ابنها. بهذه الطريقة شاء الله أن يكرّم والدة المسيح التي كانت وفية لابنه خلال كل سنوات حياته.
القرآن، في أغلب الأحيان، يذكر عيسى مع أمّه مريم. على هذا الأساس، يعطينا الله تعليماً يصلح لجميع الديانات وفي كل الأزمنة. فيسوع هو جزء لا يتجزّأ من أمّه:

[ وجعلنا ابن مريم وأمّه آية… ] (قرآن 23؛ المؤمنون، 50)

[ والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ] (قرآن 21؛ الأنبياء، 91)

مريم هي المرأة الوحيدة التي يأتي القرآن على ذكرها. فإنّه، من هذا المنطلق، يصدّق تماماً على الكتاب المقدّس ويكشف لنا أهمية مريم الأساسية بالنسبة لابنها ولنا جميعاً، نحن أبناؤها.
مريم هي صلة وصل رائعة بين جميع المؤمنين المستقليّن الذين جاءوا من بيئات مسيحية، إسلامية ويهودية.
إنها اليوم تعيد إنجاب شعب الله الجديد في “الصحراء”، جميع القلوب الطاهرة التي تقاوم المسيح الدجّال، الوحش؛ دولة إسرائيل الكافرة التي تنبّأ بها وأدانها كلّ من الكتاب المقدّس والقرآن الكريم (مراجعة “مفتاح سفر الرؤيا” و “الرؤيا وفقاً لمحمد”).
نطلب من العذراء مريم، أم يسوع، من النبي محمد وجميع شهداء هذه الرسالة المقدّسة أن يمنحونا النصر النهائي! آمين.

ب ر

1. 8. 2015

Copyright © 2024 Pierre2.net, Pierre2.org, All rights reserved.