الدرس الخامس – كتاب الخروج
قبل قراءة تفسيراتي، من الأفضل أن تقرأ كتاب الخروج بكامله حتى تتعود على محتواه. إرجع من ثم إلى النقاط التالية:
إقامة الإسرائيليين الطويلة في مصر
مأخوذ من كتاب “موسى وفرعون” للدكتور م. بوكاي |
هذه الإقامة الطويلة لليهود في مصر على مدى أربعة قرون جعلتهم ينسون التوحيد وأخذوا يعبدون الآلهة المصرية. في البرية، أثناء عودتهم إلى فلسطين، نراهم من جديد يعبدون العجل “آبيس”، أحد الآلهة المصرية في ذلك الوقت (خروج 32). ذلك يبرهن إلى أي حد قد ابتعدوا عن مخطط الله الذي بدأ بإبراهيم. هذا المخطط كان يهدف إلى إرسال المسيح إلى العالم من نسل إبراهيم.
كان على الله إذاً أن يعزل الله هذه الطائفة التي تلوثت بعبادة الأوثان بإخراجها من مصر، تماماً كما عزل إبراهيم قبل ذلك بـ 700 سنة بإخراجه من حاران جنوباً إلى كنعان، ليحافظ على إيمانه الذي كان لا يزال متعلقاً بوثنية الجوار.
الطائفة الإسرائيلية، السورية الأصل، تمثل القالب الاجتماعي الذي سيولِد المسيح، يسوع الناصري، الذي أتى بعد 13 قرناً. هذا هو السبب الوحيد لتكوينها وأهميتها.
دعوة موسى
إخراج اليهود من مصر لم يكن بالعملية السهلة: كان يجب أولاً إقناع اليهود أنفسهم بضرورته المعنوية. فاختار الله موسى لهذه الغاية، الذي منذ ولادته، تم توجيهه لإنجاح هذه الدعوة، كونه كان يرتاد بلاط فرعون.
موسى هو من عشيرة لاوي (خروج 2، 1). اسمه في العبرية يعني “المُنقَذ-من-المياه” (“مو”=مياه و”سى”=مُنقَذ 2، 10). “تبنته” ابنة الفرعون (خروج 2، 10) وكبر في القصر متشرباً عبادة الديانة الفرعونية. لهذا السبب اليهود والمسلمون يكنون لابنة فرعون احتراماًً كبيراً.
عندما تجلى الله لموسى في العليقة المشتعلة (خروج 3، 1 – 15)، لم يتعرّف هذا الأخير على إله أسلافه ولم يعرف كيف يقدّمه لبني إسرائيل الذين هم أيضاً قد نسوه. كان الأمر يحتاج إلى هذا التجلي الإلهي الجديد لموسى لمتابعة المخطط الذي وضعه الله مع إبراهيم.
إعتقاداً منه أن الله يملك إسماً مثل آلهة الميثولوجيا، سأله موسى عن اسمه. أجاب الله أن اسمه هو “أنا الذي هو”، الكائن بامتياز، خلافاً لآلهة الميثولوجيا التي “ليست” آلهة لأنها ليست موجودة. الله يطلب من موسى أن يُعرّف عنه اليهود الذين نسوه تحت اسم “يهوه”، الذي يعني “أنا هو”. باللغة العبرية يُكتب هذا الاسم بأربعة أحرف (يـ هـ و ه) ولذلك يُعرف بـ “الكتابة الرباعية” (الأحرف الأربع). غالباً ما نجد هذا الاسم منقوشاً فوق بعض المعابد اليهودية (كنيس). “هذا اسمي إلى الأبد، وهذا ذكري مدى الأجيال”، يقول الخالق (خروج 3، 15). لا يجب أن نتوقف على الصدى الحرفي لهذا الاسم كما يفعل بعض اليهود، بل على معناه العميق، أنا هو، الذي للأسف أهمله المؤمنون.
الكتابة الرباعية |
علّمنا يسوع أن نتوجه إلى الله كأبناء إلى والدهم وأن نطلب منه قائلين: “أبانا، ليتقدس اسمك” (متى 6، 9) أي ليتطهر اسمك. لم يكن يسوع يتكلم عن اسم يهوه، كلمة تُلفظ، بل عن كينونة الله، عن ما هو حقاً. غاية المسيح ليست إذاً “تطهير” الله الذي هو في الأصل كامل، لكن تطهير معرفتنا عنه، الفكرة التي كوّنها الإنسان عن الله. الله ليس كما يبرزه معظم رجال الدين من مختلف الديانات الذين يملكون مفهوماً خاطئاً عنه ويعطون صورة مغلوطة عن شخصه. كثيرون يرفضون أن يؤمنوا به بسبب ذلك، وعدد كبير من الملحدين يرفضون هذه الصورة الخاطئة أكثر من الله نفسه. ولو عرفوا الله كما هو حقيقةً، لكان هؤلاء الملحدون أصبحوا مؤمنين أفضل من الكهنة الذين دنّسوا اسم الخالق بعمل الشر باسم الله. أدان الأنبياء هذا التدنيس والذين بظلمهم يدنسون إسم الله ويشوهون صورته:
“لن تدنسوا بعد ذلك إسمي القدوس بتقدماتكم وأصنامكم…” (حزقيال 20، 39).
“…دنسوا إسمي القدوس حتى قيل عنهم: هؤلاء شعب الرب… فحرصت على إسمي القدوس الذي دنسه شعب إسرائيل…: ما سأفعله لا أفعله لأجلكم يا شعب إسرائيل، بل لأجل إسمي الذي دنستموه بين الأمم وحيث حللتم” (حزقيال 36، 20 – 23 ؛ راجع أيضاً رومة 2، 24).
“…يبيعون الصديق بالفضة… ويمرغون رؤوس الوضعاء في التراب، ويزيحون المساكين عن طريقهم، ويدخل الرجل وأبوه على صبية واحدة فيدنسان اسمي القدوس” (عاموس 2، 6 – 7).
“أما أنتم فقد دنستموه (إسمي)…” (ملاخي 1، 12).
قدّس الرب اسمه القدوس من خلال الصورة الحقيقية التي أعطانا إيها عن ذاته بشخص مسيحه الذي قال: “الحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك ويعرفوا يسوع المسيح الذي أرسلته” (يوحنا 17، 3). يسوع قدّس اسم الله، جاعلاً إيانا نعرفه كما هو: محبة، طيبة وبساطة. الله هو أب حنون للذين يقتربون منه من خلال يسوع الذي أعلن أمام رسله أنه “أظهر لهم إسم الله وأنه سيظهره لهم في المستقبل” (يوحنا 17، 26) بقدر ما ستتطهر روحهم. ليكن اسم الله القدوس مقدّساً فينا جميعاً. آمين.
اليوم أيضاً تدنس هذا الإسم القدوس في كل مكان، والمسيحيون بدورهم شوهوا إسمي الله ومسيحه.
لاحظ أن موسى تزوج بمديانية، لا بيهودية. لهذا السبب لا يعتبر اليهود ابنيه يهوديين (خروج 2، 16 – 22 / 18، 6). فالحاخامات لا يعترفون بيهودية إلاّ من يكون من أم يهودية. لهذا السبب يروي لنا كتاب العدد أن “مريم وهارون تكلما على موسى سؤاً بسبب المرأة الحبشية (مديانية) التي أخذها زوجة له. لأنه تزوج امراة حبشية” (العدد 12، 1). لاحظ أيضاً أن حمو موسى يُدعى “رعوئيل” (خروج 2، 18) وفي مكان آخر “يثرون” (خروج 3، 1 / 4، 18). هذا يعود إلى التقاليد الشفهية المختلفة.
بعد هربه من مصر، سكن موسى في مديان لأنه قتل رجلاً مصرياً دفاعاً عن يهودي (خروج 2، 11 – 15). كان يعرف إذاً أنه كان هو نفسه يهودياً، لأن ابنة الفرعون كانت قد أخبرته بذلك. لقد اكتشفت هويته اليهودية لأنه كان مختوناً (خروج 2، 6).
لاحظ أن موسى، المرتعب من مهمته، ولأنه بطيء النطق وثقيل اللسان، طلب من الله أن يضم إليه أخيه هارون، الفصيح اللسان (خروج 4، 10 – 17). كثير من الأنبياء ترددوا بقبول الرسالة الصعبة التي عهد بها الله إليهم (إرميا 1، 6 – 7).
في طريق عودته إلى مصر، اصطحب موسى معه زوجته وولديه على الحمار. خلال الاستراحة، إنتابت موسى أزمة ضمير بسبب عدم ختان ابنه. الكاتب، المؤمن بأهمية الختان، يفسّر هذه الأزمة كلقاء مع الله الذي يريد أن يميت موسى بسبب ابنه الغير مختون. صفورة، زوجة موسى، التي لم تكن يهودية، كانت تجهل هذه العادة الغريبة عن بلاد مديان ولم تفهم سبب اضطراب زوجها. أمام إصرار هذا الأخير، أخذت صوانة وقطعت قلفة ابنها بنفسها وبحركة غاضبة “مسّت بها رجلي موسى وقالت: إنك لي عريس دم!!” (خروج 4، 24 – 26). يمكننا مقارنة هذه الأزمة التي يتعذر تبريرها مع الأزمة التي حصلت لإبراهيم الذي أراد تقديم إسحق تضحية لله.
إن كان إسم الله مقدساً فيهما، لا إبراهيم كان فكّر بتقريب إبنه، ولا موسى بختان إبنه أيضاً. من المهم أن نفهم الله كي لا نثقل أنفسنا بأفعال، طقوس وشعائر لا ترضيه.
كانت مسألة الختان على الأرجح سبب انفصال الزوجين لأننا بعد هذه الحادثة، نرى موسى وحده في مصر، دون زوجته وولديه. يجدهم فيما بعد، بعد خروجه من مصر، عندما جاء حموه للقائه مع ابنيه: “كان يثرون استرجع ابنته صفورة امرأة موسى وابنيها…فجاء بهؤلاء إلى موسى في البرية…” (خروج 18، 1 – 6). لاحظ أن موسى “خرج للقاء حماه وسجد وقبّله…” (خروج 18، 7). لم يُقال في الرواية أن موسى أسرع وقبّل امرأته وولديه الذين كانوا مع ذلك موجودين. هذه الهفوة قصدها الرواة اليهود لتحقير الزوجة والولدين الغير يهود.
لاحظ أن يثرون قد اعترف أن “الرب أعظم من جميع الآلهة… وقدّم محرقة وذبائح لله” (خروج 18، 11 – 12). لكنه لم يفهم أنه الإله الوحيد. بعد هذه الذبائح، “جاء هارون وجميع شيوخ بني إسرائيل ليأكلوا معه أمام مذبح الله” (خروج 18، 12). يكفي إذاً أن نؤمن بالله حتى نكون بحضرته، برفقته العطوفة. كان يجب على اليهود أن يتصرفوا دائماً مثلما فعل موسى مع يثرون: التعريف بالله للذين لا يعرفونه وذلك بروح أخوة وصداقة.
ضربات مصر العشر
ليس علينا أن نرى في هذه الضربات وقائع تاريخية. من خلال هذا النسج الروائي نستطيع أن ندرك قدرة الله التي تنتصر على الشر. لاحِظ أن السحرة المصريين توصلوا إلى تقليد بعض المعجزات التي قام بها موسى، لكنه كان دائماً هو الذي يربح في نهاية المطاف. الله هو الذي ينتصر على الشيطان. حيّة موسى هي التي ابتلعت حيّة السحرة: بالرغم من ذلك اشتد قلب فرعون قساوة، كما يعلّق الكتبة (خروج 7، 12 – 13). استطاع السحرة أن يقلّدوا بسحرهم معجزة الضفادع، لكنهم لم يقدروا أن يوقفوا المصيبة التي سببوها بأنفسهم، فلجأ فرعون إلى موسى الذي توصل إلى وضح حد لها بالصلاة إلى الرب (خروج 8، 1 – 11). مع ضربة البعوض، ملأ موسى البلد بهذه الحشرات “وصار تراب الأرض بعوضاً” (أسلوب مجازي لوصف هول هذه المصيبة). السحرة المصريون كانوا غير قادرين على منافسة رسول الله واعترفوا أن “هذه إصبع الله” أمام المقدرة التي تتخطاهم (خروج 8، 12 – 15). أخيراً، عندما ضرب الله المصريين بالقروح والبثور، السحرة أنفسهم أصيبوا بها ولم يستطيعوا أن يمثلوا أمام فرعون (خروج 9، 8 – 12). بالرغم من ذلك بقي فرعون على قساوته ورفض السماح لليهود بالخروج، بعكس وعده. النص يقول: “قسّى الرب قلب فرعون، فلم يسمع لموسى وهارون” (خروج 9، 12) : هذه طريقة خاطئة لتفسير عناد فرعون، لأن الله لا يقسّي قلب أحد، لكن في ذلك الوقت، كان المؤمنون يعتقدون أن الله هو المحرض على جميع قراراتنا. هذا خطأ! الله يحترم حريتنا ولذلك يحكم علينا. وإلا فسيكون ظالماً.
إحفظ من هذه القصة المبتكرة أن للشياطين القدرة على صنع المعجزات على هذه الأرض لخداع البشر. لكن المؤمنون الحقيقيون قادرون على إحباط السحر الشيطاني. الشيطان هو “سعدان الله”، لكن “سعدناته” تنكشف دائماً في النهاية عندما نعرف أن نميّز نور الله الحقيقي وأن ننتظر بإيمان وقوة ثابتة لرؤية نهاية قدرة الشر.
الفصح
الفصح هو عيد يهودي سنوي يُحتفل به في الربيع. ويتصادف أحياناً مع عيد الفصح عند المسيحيين.
الفصح اليهودي، الذي يعني “عبور”، يحتفي بذكرى خروج اليهود من مصر بعد “عبور” ملاك الموت الذي ضرب أبكار المصريين، يتبعه “عبور” الطائفة اليهودية للبحر الأحمر، هرباً من جيش فرعون.
التوراة تطلب من اليهود إقامة احتفال عشاء سنوي للإحتفاء بذكرى عيد العبور من بلاد العبودية إلى “أرض الميعاد”. يتألف هذا الطعام من حمل بالأعشاب المرة. هذا هو عشاء الفصح الذي يسميه اليهود الـ “فطير”: “…كلوه بعجلة، فهو فصح (عبور) للرب… ويكون هذا اليوم لكم ذكراً…” (خروج 12، 11 – 14). يحتفي اليهود بذكرى هذا الفصح كل سنة بفطير عائلي. يتشاركون حمل الفصح والخمر مع عبارات التبريك.
موسى وفرعون |
كشف يوحنا المعمدان أن يسوع هو حمل الفصح الجديد: “ها هو حمل الله” (يوحنا 1، 36). يجب إذاً نسيان حمل الفصح المصري لأجل “حمل” آخر وفصح آخر. يسوع هو المسيح المُرسَل من الله ليخرجنا من الموت الروحي ويجعلنا “نعبر” إلى الحياة الأبدية. هو فصح كل البشر الذين يؤمنون به ويبقون له أوفياء. لهذا السبب، عشية تسليمه للصلب، وبينما كان يأكل عشاء الفصح مع تلاميذه، قدّم نفسه، لا الحمل، كمأكل فعّال لمغفرة الخطايا وللحياة الأبدية: “خذوا كلوا، هذا هو جسدي (لحمي لا لحم الحمل التقليدي) …إشربوا منها كلكم، هذا هو دمي، دم العهد الجديد الذي يسفك من أجل أناس كثيرين، لغفران الخطايا” (متى 26، 26 – 28): “ها هو حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم”، يقول أيضاً يوحنا المعمدان (يوحنا 1، 29). قال يسوع أيضاً: “أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. من أكل هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أعطيه هو جسدي، أبذله من أجل حياة العالم…” (يوحنا 6، 51 – 58). الفطر المسيحي، أو “عشاء الرب” (كورنثوس الأولى 11، 20)، يجعلنا نعبر من هذا العالم الفاني إلى الآخر… مركبتنا هي المسيح الحي في القربان المقدس. لمساعدتنا على تنقية حياتنا يطلب منا يسوع أن نكرر هذا العمل بقوله: “إعملوا هذا لذكري” (لوقا 22، 19).
لاحِظ أن اليهود، عند خروجهم من مصر، “سلبوا” المصريين مصاغ فضة وذهب وثياب (خروج 12، 35)… هذا المصاغ المختلس سيفيدهم في صنع العجل الذهبي الذي سيعبدوه (خروج 32، 1 – 6). هذا الانتزاع لثروة الغير يتكرر دائماً في الكتاب المقدس (العدد 33، 50 – 56).
الكهنوت اليهودي
قبل موسى، لم يكن مفهوم الكهنوت معروفاً عند الطائفة اليهودية. فالله لم يكلّم إبراهيم عنه أبداً. خلال قرون من بعد إبراهيم، لم يكن لدى الطائفة التوحيدية الأولى كهنة، كان المؤمنون يقدمون قرابينهم بأنفسهم. تأسس الكهنوت بعد إقامة الإسرائيليين في مصر بإلهام من الميثولوجيا المصرية ونقلاً عنها. علينا أن لا ننسى أن موسى ترعرع في القصر الفرعوني، وتشرب العبادة المصرية الذي عرف كهنتها عن كثب. أراد إنشاء كهنوت يهودي مشابه للكهنوت المصري الذي كان يشتمل على تقديم الحيوانات كأضاحي للآلهة والأوثان. وحدهم الكهنة كانوا مؤهلين قانونياً لهذا الطقس بعد تأهيل دقيق. لقد استوحى موسى من الكهنوت المصري، لكن بدل أن يقدم الأضاحي إلى الأوثان، جعل فريضة تقديمها إلى الله.
في البدء، لم يكن يوجد مؤسسة كهنوتية، ولا حتى تضحية، كون ابراهيم كان يتوجّه إلى الله ببساطة، دون اللجوء إلى طقس خاص (تكوين 18، 22 – 33).
عندما تأسس الكهنوت اليهودي، “كل بكر من بني إسرائيل” كان يجب أن يكرس كاهناً للرب (خروج 13، 1). بعد ذلك كرس موسى اللاويين، هم وحدهم، لخدمة العبادة “بدل كل بكر من بني إسرائيل”. أما بكور العشائر الأخرى “فيفتديهم” أهلهم؛ “تدفع الفضة إلى هارون وبنيه (؟!)، كما أمر الرب (!)” (العدد 3، 44 – 51). علينا أن لا ننسى أن موسى وهارون هما من عشيرة لاوي، العشيرة التي منحاها هما امتيازاً، وليس الله. إليها يعود كل هذا المال… بحجة أنه أمر إلهي. لا أعتقد أن الله يرضيه أي شيء من هذا التعبد ومن هذا الكهنوت المنسوخ عن الميثولوجيا المصرية. لأن الله قد أعلن مجيء الكهنوت الوحيد الذي يقبل به، أي كهنوت المسيح يسوع، على رتبة ملكيصادق، لا على رتبة لاوي (المزامير 110(109)، 4). راجع عن هذا الموضوع ما يقوله بولس في رسالته إلى العبرانيين من 5، 1 إلى 7، 19.
الكهنوت بحسب يسوع يأخذ كامل انطلاقته في العصر الرؤيوي. مع كشف رسالة كتاب الرؤيا، يقيم يسوع كهنوتاً جديداً لجميع الذين يؤمنون بمضمونه: “أنت الذي يحق له أن يأخذ الكتاب ويفض ختومه! لأنك ذُبحت وافتديت أناساً لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة، وجعلت منهم ملكوتاً وكهنة لإلهنا يملكون على الأرض” (رؤيا 5، 9 – 10). إذاً من خلال فتح كتاب الرؤيا يكوّن يسوع كهنته الجدد المتحررين من المفاهيم الكهنوتية الرجعية.
نشيد موسى (خروج 15)
بعد عبور البحر الأحمر، “أنشد بنو إسرائيل للرب نشيد” فرح وامتنان لأنه “رمى في البحر خيل وفرسان” الجيش المصري (خروج 15، 1 – 21). إنه نشيد موسى المشهور عند الطائفة اليهودية. يُنشد ويُرقص على أنغامه في مناسبة الإنتصارات الإسرائيلية، كما فعلت من قبل مريم ، أخت موسى (خروج 15، 20 – 21).
الفصل 15 من كتاب الرؤيا يأتي على ذكر “نشيد موسى” بالإضافة إلى “نشيد الحمل”. نشيد الحمل الذي سينشده تلاميذ يسوع لآخر الأزمنة، بعد انتصارهم على الوحش، عدو المسيح، المسيح الدجال. هذا الإنتصار يطابق عبور البحر الأحمر، كونه اجتياز مجيد للصعوبات المتأتية من أعداء يسوع. سينشدون عندئذ نشيد نصرهم، نشيد الحمل. لهذا السبب يرى يوحنا “ما يشبه بحراً من البلور (“بحر” روحي وليس أبداً البحر الأحمر) المختلط بالنار (نار المحنة) والذين غلبوا الوحش وصورته وعدد اسمه واقفين على بحر البلور ويرتلون نشيد عبد الله موسى ونشيد الحمل” (رؤيا 15، 2 – 3).
المن والسلوى (خروج 16)
جاع الإسرائيليون في البرية. فأعطاهم الله بأعجوبة المن ليأكلوه، وأوصاهم أن يكتفوا منه يومياً وأن لا يتركوا منه شيئاً لليوم التالي. هذا تعليم: علينا أن نثق كلياً بالله، وأن نكتفي بالخبز اليومي دون الاهتمام بأمر الغد كما علّمنا يسوع (متى 6، 11 / متى 6، 25 – 34).
يستعيد يسوع في الإنجيل واقعة المن حيث يصور نفسه مثل المن السماوي، خبز السماء الحقيقي الذي يغذي النفس: “ما أعطاكم موسى الخبز من السماء… أنا هو خبز الحياة الذي نزل من السماء…” (يوحنا 6، 32 – 51).
منٌّ جديد مخصص للأزمنة الرؤيوية (رؤيا 2، 17). إنه من “خفي”، روحاني سيتغذى منه التلاميذ الرؤيويون لآخر الأزمنة: القربان المقدس في العائلة (رؤيا 3، 20 / 12، 6 / 12، 4).
شريعة موسى (خروج 20 إلى 31)
تُقسم شريعة موسى (التوراة) إلى قسمين:
- الوصايا العشر
- شريعة الأعمال أو ممارسة الشعائر (الختان، المأكل الحلال والغير الحلال، إلخ…).
الوصايا العشر
أغلب هذه الوصايا كانت موجودة أصلاً ووردت في شريعة الملك حمورابي (لا تقتل، لا تسرق، إلخ…). الجديد، هو الوصايا الثلاثة الأولى التي تتعلق بالله الواحد: “لا يكن لك إله غيري…”. الوصايا العشر تصلح دائماً ولخصّها يسوع بكلمة “محبة”، لأن الذي يحب لا يقتل، لا يسرق ولا يشتم. تأمل جيداً بكلام المسيح في متى 22، 36 – 40 وكلام بولس في رومة 13، 8 – 10: “الوصايا تتلخص في هذه الوصية: أحب قريبك مثلما تحب نفسك. فمن أحب قريبه لا يسيء إلى أحد، فالمحبة تمام العمل بالشريعة”. كذلك، يقول القديس أغسطينوس: أحب وافعل ما تشاء”، مع العلم أن المرء الذي يحب لا يعمل السوء. لا يمكننا أن نطلب من أم مُحبّة أن لا تسيء إلى أولادها… هذا واضح.
شريعة “الأعمال”
شريعة الأعمال تقضي بممارسات أو بأعمال شعائرية، مثل الختان، السبت، المأكل الحلال والنجس، الأضاحي إلخ… إنها ليست شريعة قديمة فقط، بل إنها لم تكن أبداًً بوحي من الخالق، كما أعلن الله بلسان النبي إرميا: “أنا لم أكلم أباءكم ولا أمرتهم بأية محرقة أو ذبيحة يوم أخرجتهم من أرض مصر”، يقول الله (إرميا 7، 22).
كل هذه الممارسات هي من اختلاق الكهنة والكتبة لمصلحتهم المادية. فقد أضافوا، على مر القرون، أكثر من 600 ممارسة يجب احترامها تحت طائلة الخطيئة. ما عدا الختان إلخ…، إضاءة النور يوم السبت، تصفيف الشعر ابتداءً من يوم الجمعة بعد غروب الشمس، المشي أكثر من كيلومتر واحد يوم السبت، لمس امرأة أثناء عادتها الشهرية أو أي شيء تكون قد لمسته…إلخ… كل هذا يعتبر نجساً ويتوجب تطهيراً يقوم به الكاهن لقاء بدل مالي… بالطبع. إرميا أيضاً هو من فضح “قلم الكتبة الكاذب” (إرميا 8، 8).
إشعيا بدوره كشف أن العبادة التي يمارسها اليهود هي عبادة باطلة لأنها بوحي بشري، لا إلهي: “هذا الشعب يتقرب مني بفمه ويكرمني بشفتيه، وأما قلبه فبعيد عني. فهو يخافني ويعبدني بتعاليم وضعها البشر” (إشعيا 29، 13). مستنداً إلى أقوال هذا النبي الكبير، يدين يسوع التقليد الذي يمارسه الكتبة والفريسيون ويصفهم بالمرائين: “يا مراؤون، صدق إشعيا في نبوءته عنكم حين قال: هذا الشعب يكرمني بشفتيه، وأما قلبه فبعيد عني. وهو باطلاً يعبدني بتعاليم وضعها البشر” (متى 15، 7 – 9). هذه التعاليم الباطلة ليست سوى تعاليم التوراة، شريعة موسى. هذا العبادة الباطلة والمرهِقة هي تزوير لكلمة الله. يفسر إشعيا ذلك بقوله: “لذلك سيكون كلام الرب لهم وصية على وصية على وصية، وفرضاً على فرض على فرض، وشيئاً من هنا وشيئاً من هناك، حتى إذا مشوا سقطوا إلى الوراء، فتحطموا ووقعوا في الشرك والأسر” (إشعيا 28، 13). أدان يسوع الكتبة والفريسيين لأنهم “يحزمون أحمالاً (تعاليم التوراة) ثقيلة شاقة الحمل ويلقونها على أكتاف الناس، ولكنهم لا يحركون إصبعاً تعينهم على حملها” (متى 23، 4).
لم يتوانى النبي هوشع عن كشف ما قاله له الله عن رفضه أضاحي الحيوانات وعن عدم جدوى العبادة الموسوية: “…فأنا أريد طاعة لا ذبيحة، معرفة الله أكثر من المحرقات” (هوشع 6، 4 – 6). أعلن النبي ميخا هو أيضاً: “بماذا أتقدم للرب وأكافئ الله العلي؟ أبمحرقات أتقدم إليه، بعجول حولية مسمنة… أخبرتك يا إنسان ما هو صالح وما أطلب منك أنا الرب: أن تصنع العدل وتحب الرحمة وتسير بتواضع مع إلهك” (ميخا 6، 6 – 8).
ندد القديس بولس، هو أيضاً، بشريعة الطقوس والشعائر هذه، وأعلن أنها كانت “لعنة” خلّصنا منها يسوع (غلاطية 3، 13): يقول إنها كانت غير نافعة للخلاص وإننا نتبرر بالإيمان بيسوع لا بالعمل بأحكام الشريعة (رومة 3، 28). كل جهود يسوع والرسل تهدف إلى تحرير المؤمنين من ممارسة هذه الشريعة الخرافية.
تابوت العهد والمنارة (خروج 25)
في البرية، بنى موسى خيمة كمقدس للصلاة. عليك أن تحفظ على وجه الخصوص تابوت العهد والمنارة ذات الشعب السبع. الأول كان صندوقاً محمولاً يحتوي على لوحي الوصايا العشرة، الثانية هي شمعدان ذو سبعة فروع، رمز النور الإلهي. الرقم سبعة هو للحفظ أيضاً لأنه يرمز إلى الكمال، إذاً الوضوح الكامل من خلال النور الإلهي.
تابوت العهد |
المنارة ذات الشعب السبع |
تابوت العهد لعب دوراً كبيراً في تاريخ اليهود. فُقد بعد خراب الهيكل، وكذلك المنارة. حالياً يعكف علماء الآثار اليهود جاهدين على البحث عن التابوت. بيد أن إرميا كان قد تنبأ أنه في الزمن المسيحي “لا يتحدثون بعد عن تابوت عهد الرب، ولا يخطر لهم ببال ولا يذكرونه ولا يفتقدونه ولا يصنعه أحد ثانية” (إرميا 3، 16). إختفاء هذا التابوت هو دليل على أن الزمن المسيحي قد تحقق فعلاً مع يسوع. ففي سنة 70 ميلادية دمر الرومان الهيكل واختفى التابوت.
العجل الذهبي (خروج 32)
اليهود الذين نفد صبرهم في البرية التي كانوا يجتازونها بعذاب وحرمان، رفضوا الله الواحد الذي من أجله تخلوا عن رغد العيش في مصر. كانوا محبطين وناقمين، فصنعوا إلهاً صنماً، عجلاً ذهبياً يجسّد الإله آبيس (الذي يُعبد في مصر على شكل عجل). فبدل أن يبعدهم هارون عنه، قبل به، هو الكاهن. ما أثار غضب موسى وجعله يكسر لوحي الوصايا العشر.
في مسارنا الروحي، سنمرّ نحن أيضاً بيسر وعسر. فلنحذر من التعب والملل في بريتنا الروحية، كما يفعل بعض الناس إلى درجة تكوينهم صورة خاطئة عن الله، صورة تناسبهم وترضي ميولهم المادية التي تُبعدهم عن الله.
أسئلة
- ماذا فهمت من اسم الله يهوه؟
- ما هو الفرق بين معجزات موسى ومعجزات السحرة المصريين؟
- ما هو عيد الفصح (الفطير)؟
- ما هو الثابت في شريعة موسى؟
- تابوت العهد والمنارة.
- ما هو رأيك في أضاحي الحيوانات؟
- ما هو رأيك في الملابس الكهنوتية التي حددها “الله” (خروج 28)؟
- ما هو رأيك في طقوس تكريس الكهنة (خروج 29)؟
تأمل
يقول كتاب الخروج إن اليهود في مصر، في زمن موسى، “نموا وتوالدوا وكثروا وعظموا حتى امتلأت أرض مصر منهم” (خروج 1، 7). إنهم يدينون بعظمتهم لسلفهم يوسف، الذي كان هو نفسه في مركز مرموق و “عظيماً إلى أقصى حد”. فقد عيّن أخوته بالإضافة إلى يهود آخرين في مناصب عالية في الدولة منذ دخولهم إلى مصر. مع الوقت، بعدما كثروا وعظموا، أرادوا أن يحكموا البلد بأكمله، هذا كان السبب وراء رد فعل فرعون.
شبه جزيرة سيناء والأماكن الرئيسية المذكورة في كتاب الخروج |