انتقل إلى المحتوى

دراسة الكتاب المقدس

الصفحات: 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14

الدرس السابع ـ يشوع، القضاة، راعوث، صموئيل الأول والثاني

إن فهم كتب التوراة الخمسة بالروح الانتقادي الذي اتبعناه يشكل أساساً أكيداً وواقعياً لدراسة بقية كتب العهد القديم. إقرأ بانتباه كتب يشوع والقضاة، ثم عُد إلى التوضيحات أدناه:

كتاب يشوع

هذا الكتاب يروي قصة دخول بني إسرائيل إلى فلسطين، ويشوع على رأسهم، حوالي سنة 1200 ق.م. كان الإنطلاق من شطيم (يشوع 3، 1). حدود البلد الذي سيحتلوه حُددت بسرعة: من الصحراء (سيناء، مع النيل كحدود شرقية) إلى الفرات (يشوع 1، 4)، وقد تم ابتلاع لبنان كلياً. باب الكنيست الإسرائيلي يحمل هذه العبارة: “مُلككِ يا إسرائيل، يمتد من النيل إلى الفرات”. لهذا السبب العلم الإسرائيلي يحمل، على خلفية بيضاء، النجمة ذات الشعب الست (نجمة داود) بين خطين أزرقين يرمزان إلى نهري النيل والفرات. راجع في الدرس السادس في نهاية كتاب العدد: حدود إسرائيل.

تابوت العهد يعبر نهر الأردن في المقدمة كعلامة على وجود الرب مع جماعة بني إسرائيل (الذين تحولوا إلى جيش مُغير محتل).
الختان: عاد اليهود من جديد إلى الختان بأمر من يشوع “بسكاكين من صوان” بعد أن أهملوه في البرية بعد خروجهم من مصر (يشوع 5، 2 – 9).
سقوط أريحا: لا يجب فهم هذا الحدث حرفياً. لاحِظ أن المدينة سقطت في اليوم السابع، بعد التطواف السابع، كون الرقم 7 يرمز إلى الكمال (يشوع 6، 14 – 16). “النفخ في قرن الهتاف” (يشوع 6، 4 – 5 / 6، 16) هو عادة طقسية ما زال اليهود يمارسونها حتى اليوم على حائط المبكى. لعن يشوع أريحا، وقال إن الذي سيبنيها عليه أن يقدّم أبناءه ذبيحة للأوثان (يشوع 6، 26 – 27). كتاب الملوك الأول، الذي كُتب فيما بعد مع كتاب يشوع، يروي أن حيئيل من بيت إيل أعاد بناء هذه المدينة مقدماً ولديه الاثنين ذبيحة (الملوك الأول 16، 34). تظهر هذه “النبوءة” بين كل تلك التي نُقلت استنتاجياًً بنيّة إعطائها حقيقة تاريخية.
اتخذ البوق (يشوع 6، 16) معنى نبوياً وروحياً بعد استخدامه في العبادة الطقسية (كالأجراس). إنه يعلن أن الرب سوف يتكلم أو يفعل، وأن على جميع البشر إذاً أن يصغوا بانتباه: “يا جميع سكان العالم وقاطني الأرض… إذا نُفِخ في البوق فاسمعوا ! قال لي الرب…” (إشعيا 18، 3 – 4). في آخر الأزمنة يرسل يسوع تلاميذه بـ “بوق عظيم الصوت” لتحذير أخير (متى 24، 31). هذا البوق هو رمزي: إنه يُعلن فتح كتاب الرؤيا (رؤيا 8، 2 / 10، 2) ويدعو الذين لهم أذنان ليسمعوا ما سيكشفه الروح من جديد (رؤيا 3، 23).

cb_corne-animale
قرن حيوان يستعمل كبوق – قرون الأكباش هي أقل كلفة

دور الكهنة، الذي أبرزه الكهنة-الكتبة الذين كتبوا هذا النص فيما بعد، جُعل أساسياً لاحتلال المدينة. سقوط أسوار أريحا هو نسج رواية خيالي لا يرتكز على قاعدة تاريخية ويشكل جزءاً من “الخرافات اليهودية” الكثيرة التي حذرنا منها بولس (تيطس 1، 13 – 14). تجدر الملاحظة هنا أيضاً أن الوصية التي أعطيت للطائفة، أن أحداً، عند دخول المدينة، لا يجب أن يدفعه الطمع إلى نهب “كل فضة وذهب وإناء نحاس أو حديد، فهو مكرس للرب يدخل خزانة الرب”، أي جيب الكهنة التقي (يشوع 6، 17 – 19). يستمتع الكتبة بكتابة أن المقاتلين “قتلوا بحد السيف (شريعة الإبادة الشاملة) إكراماً للرب جميع ما في المدينة من رجال ونساء وأطفال وشيوخ، حتى البقر والغنم والحمير” (يشوع 6، 21). يذكّرنا ذلك بمذابح دير ياسين، كفر قاسم، إلخ… في فلسطين، لإقامة دولة إسرائيل (سنة 1948) بالإضافة إلى مذابح صبرا وشاتيلا وقانا إلخ… في لبنان، تكملة للمخطط الصهيوني التوسعي.
توقف الشمس على جبعون (يشوع 10، 12) هو أيضاً خرافة يجب فهمها من الناحية الشعرية، لا الواقعية، بما أن القمر أيضاً قد “أوقف” من قبل يشوع.
تقسيم الأرض المحتلة: حُددت منطقة لكل عشيرة، ما عدا عشيرة لاوي “لأن المحرقات التي كانت تقدم للرب، إله إسرائيل كانت هي حصتهم” (يشوع 13، 14). هذه الحصة الغير جغرافية للاويين، تبرهن أن “أرض الميعاد” هي حقيقة روحية، غير جغرافية كما فسرها يسوع ورسله فيما بعد (لوقا 17، 21 / عبرانيين 13، 14). تقسيم البلد كان يتم بالقرعة بين العشائر (يشوع 14، 2).

مقدس شيلوه: أول مركز للعبادة تم تشييد في شيلوه، في النصف الشمالي للبلاد (يشوع 18، 1). وأصبح مكاناً للحج (صموئيل الأول 1، 3). تابوت العهد كان موجوداً فيه قبل أن يتم نقله فيما بعد إلى هيكل أورشليم.
مات يشوع (يشوع 24، 29) دون أن يعيَّن خلفاً له. فشكّل ذلك عقبة في إدارة أمور الطائفة. مجموعة من “القضاة” ستقرر مصير بني إسرائيل العسكري والسياسي. عنهم يتكلم كتاب القضاة الذي يتبع كتاب يشوع.
عظام يوسف، الذي مات في مصر، نُقلت ودُفنت في شكيم (نابلس، حيث يوجد بئر يعقوب). قبره لا يزال موجوداً حتى اليوم (يشوع 24، 32).

ملاحظة: اختار بنو إسرائيل دخول فلسطين بالسيف والدم. بيد أنه كان بإمكانهم أن يسكنوا بسلام، مقيمين علاقات طيبة مع السكان الذين كانوا موجودين في الأصل. لو فعلوا ذلك، لكانوا استطاعوا نشر معرفة الله، يوماً بعد يوم، من خلال سلوك ودي، كما أراده الرب.

cb_principaux-sites-conquete-canaan_ar
الأماكن الرئيسية ذات العلاقة برواية احتلال كنعان

كتاب القضاة

بعد يشوع استسلم اليهود لعبادة الأوثان، “وتركوا الرب وعبدوا البعل وعشتروت، فغضب الرب على بني إسرائيل… فأقام عليهم قضاة فخلصوهم من أيدي الناهبين. ولقضاتهم أيضاً لم يسمعوا، فخانوا الرب باتباع آلهة أخرى” (القضاة 2، 13 – 17). تجدر الملاحظة إلى أن الذين “كانوا ينهبون” بني إسرائيل، لم يفعلوا سوى أنهم كانوا يسترجعون ثرواتهم التي اغتصبها هؤلاء الأخيرون.
هكذا فإن تاريخ بني إسرائيل هو نسيج من خيانة الله والعدوان على البشر. ننذهل من الكلام الذي نسبه الكتبة لبلعام الذي كان يرفض أن يلعن اليهود: “من يبصر إثماً في بني يعقوب” (العدد 23، 21)، لأن هذا الإثم أدانه موسى عندما عبدوا العجل الذهبي بالإضافة إلى خيانات عديدة أخرى. الخير الوحيد الذي خرج من هذه الطائفة كان المسيح يسوع. كل ما حصل مع أبناء يعقوب، فسّره الكتبة والكهنة وفقاً لمصلحتهم. مثلاً، “ترك الرب بعض الأمم ليمتحن بهم من بني إسرائيل جميع الذين لم يعرفوا الحرب في أرض كنعان. وفعل ذلك ليعلّم أجيال بني إسرائيل الحرب” (القضاة 3، 1 – 2). ذهنية غريبة شرسة ترى في الله محارباً مهلكاً لكل غير يهودي. يجب قراءة مثل هذه الآيات بروح ناقد وموضوعي لتمييز ما هو من الله وما هو ناتج من عقلية الكتبة العنصرية. إن إبقاء الغير يهود مع اليهود كان يجب أن يُفهم بخلاف ذلك: الله، أب جميع الشعوب، يضع بني إسرائيل بين الأمم (وليس الأمم بين اليهود) ليسكنوا بينهم سلمياً، لا عدوانياً، كاشفين لهم، بحكمة، عن وجود الله. والحال هو أنهم، بالعكس، استسلموا هم أنفسهم لعبادة الأوثان بعد أن عرفوا الخالق الوحيد (القضاة 3، 4 – 6).
بعد يشوع، اثنا عشر قاضياً تعاقبوا على فترة حوالي مئة سنة. كلمة قاضي هنا لا تعني الذي يحكم بالعدل في المحكمة بين الناس، إنه الذي يوجّه ويرشد الطائفة بعد أن يكون، في أكثر الأحيان، قد شاور الله (القضاة 4، 4 – 6)، فيحكم بما هو صالح. القاضي هو نبي، يساعد الشعب على حكم ذاته، يحسم في اتخاذ القرارت، ويقوده في المعركة: اهود يحكم بمحاربة موآب ويقتل ملكهم، إغلون؛ دبورة تحكم بقتال الكنعانيين وتقتل سيسرا، قائدهم ؛ جدعون يحكم بالحرب على مديان. دبورة هي المرأة الوحيدة بين القضاة، على طراز القديسة جاندارك. القضاة هم إذاً موضع ثقة مؤتمنون على الدفاع عن بني إسرائيل. أكثرهم شهرة – دون أن يكون الأهم- هو شمشون.

جدعون

تجدر الإشارة إلى أنه للمرة الأولى، مع جدعون، يحاول بني إسرائيل أن يقيموا مملكة، أن يصبحوا أمّة و، أن يتحولوا من بني إسرائيل – طائفة ذات رسالة روحية- إلى إسرائيليين، أي إلى كيان سياسي. طلبوا إذاً من جدعون أن يملك عليهم وأن ينشىء سلالة ملكية حاكمة، ويكون ابنه خلفاً له. لكن ما كان من هذا الأخير إلا أن رفض، لأنه كان مدركاً أن الملك الأوحد هو الله، وأن رسالة بني إسرائيل ليست سياسية: “لا أنا أتسلط عليكم ولا إبني، بل الرب هو الذي يتسلط عليكم”. غير أنه طلب قائلاً: “يعطيني كل واحد منكم الخواتم التي غنمها” (القضاة 8، 22 – 24). إبنه أبيمالك طمع بالعرش من بعده وحاول أن يؤسس مملكة لم تدم سوى ثلاث سنوات. فقام بقتل جميع أخوته وعددهم 70 ، ليملك على العرش، لكن أهل شكيم الذين ساعدوه في قتل أخوته انقلبوا ضده فيما بعد (القضاة 9). بعد حوالي مئة سنة، كانت هناك محاولة أخرى مع صموئيل آلت إلى تأسيس مملكة إسرائيلية مع شاول كملك أول (صموئيل الأول 8). تلك كانت خطيئة العبرانيين الأصلية كما سنرى في كتاب صموئيل الأول.

يفتاح

القاضي يفتاح، وهو ابن امرأة بغي (القضاة 11، 1)، حارب بني عمون ونذر نذراً للرب قائلاً: “إن سلمت بني عمون إلى يدي، فكل خارج من باب بيتي للقائي حين رجوعي سالماً من عند بني عمون أكرسه، وأقدمه محرقة لله” (القضاة 11، 31). فكانت ابنته هي التي قدمها محرقة للرب (القضاة 11، 34 – 40). هذه الذبائح البشرية كانت عادات وثنية حرمها الله، لكن، مع ذلك، مارسها بنو إسرائيل الذين أدانهم الله (إرميا 7، 30 – 31). فرض موسى أضاحي الحيوانات، لا لأن الله كان يطلبها، بل ليمنع اليهود من تقديمها للأوثان ولتجنب الأضاحي البشرية. لكن ذلك لم يجدي نفعاً: فقد اقترف بنو إسرائيل الرجسين الأول والثاني.

شمشون

قصة شمشون مليئة بالمبالغات التي لا يجب أن تؤخذ حرفياً. قتاله الأسد (القضاة 14، 6)، ثم الفلسطينيين بـ “فك الحمار” هي نسج روائي خيالي واضح (قضاة 15، 9 – 17) يهدف إلى إعطاء هذا الرجل القوي صورة العبراني الذي لا يُقهر، من طراز “هرقل” العصر. عقل ناضج لا يُصدق ذلك.

جريمة الدانيين

إحفظ تاريخ قبيلة دان الدموي (الفصل 17 و 18). ارتكبت هذه الجريمة بعد مشاورة الله! طلب بنو دان من الكاهن قائلين: “إسأل لنا الله ، فنعلم إن كنا سننجح في طريقنا التي نحن سائرون فيها؟”. فأجابهم الكاهن: “سيروا بأمان، فالطريق التي أنتم سالكون فيها يرعاها الرب” (القضاة 18، 5 – 6). لاحظ أن “الله” الذي التمسه الكاهن لم يكن سوى صنم. هذا “الله” الذي استشاروه بالترافيم (الأوريم والتميم) بارك بعثة بني دان الإجرامية! هذا الصنم كان من صنع ميخا الذي استشاط غيظاً على بني دان الذين سرقوه، فصاح بهم: “آلهتي التي صنعتها أخذتموها مع الكاهن وذهبتم…!” (القضاة 18، 24). هذا الإله الذي صنعه ميخا، سمح لبني دان بذبح “شعب هادئ مطمئن… لم يكن له منقذ” (القضاة 18،10 / 18،27 – 28). من خلال مثل هذه الشعوذات تمت استشارة الله من قبل الكهنة الذين دنسوا اسم الخالق القدوس.
كم من الناس يصنعون لأنفسهم آلهة على صورتهم بدلاً من أن يتحولوا هم أنفسهم على صورة الله الحقيقي الأوحد، هذه الصورة التي يخسرها كثير من الناس بمشيئتهم.
جريمة كريهة أخرى اقترفها بنو بنيامين في جبعة (الفصل 19 و 20). كان لها تبعات مشؤومة في كل الطائفة وتطورت بطريقة غامضة (القضاة 19، 1 – 21 / القضاة 19، 25). النبي هوشع لن ينسى هذه الجريمة التي لا يمكن تصورها (هوشع 9، 9 / 10، 9).

ملاحظات:
أراد الكتبة تبرير إنشاء المملكة الإسرائيلية، فعزوا ذلك إلى الاضطرابات الاجتماعية في طائفتهم لأنه “في تلك الأيام لم يكن لبني إسرائيل ملك” (القضاة 18، 1 / 19، 1). وينهون كتاب القضاة بإصرارهم على أنه “في تلك الأيام لم يكن لإسرائيل ملك وكان كل واحد منهم يعمل على هواه” (القضاة 21، 25). والحال هو، أن إقامة المملكة لم تحل المعضلات؛ الحالة الإجتماعية لم تتحسن، وانتهى الأمر بالمملكة إلى الإنقسام إلى مملكتين: واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب. الملوك كانوا في الأغلب غير كفوئين، الأنبياء لم يتوانوا عن إدانتهم، حتى رفض واقع تأسيس المُلك في إسرائيل (هوشع 8، 4).
هذه القصص الكتابية المحزنة التي رُويت بالتفصيل في كتاب العهد القديم تدعونا للتأمل: “الله يكتب بشكل مستقيم على خطوط ملتوية”، قال أحد الفلاسفة المعاصرين. لقد توصل، برغم عدم جدارة بني إسرائيل، إلى تحقيق مخططه المسيحي. كان يجب على المسيح أن يخرج من اليهود (يوحنا 4، 2) “كعرق في أرض قاحلة” (إشعيا 53، 2). هذه الأرض القاحلة هي البيئة اليهودية التي منها انبثق يسوع، كما أنه هو هذا المسيح الذي يسقط القناع الموسوي الذي يمنع المؤمنين من رؤية النور الإلهي: “لا يزال ذلك القناع إلى اليوم غير مكشوف عند قراءة العهد القديم، ولا ينزعه إلا المسيح. نعم، إلى اليوم لا يزال القناع على قلوبهم عند قراءة شريعة موسى، ولا ينزع هذا القناع إلا الاهتداء إلى الرب” (كورنثوس الثانية 3، 14).

كتاب راعوث

إقرأ هذا الكتاب التاريخي المؤثر باهتمام، آخذاً بعين الاعتبار أن راعوث هي موآبية، وليست يهودية. أهمية هذه القصة التي دارت أحداثها على عهد القضاة هي أن راعوث – الغير يهودية- هي إحدى أسلاف المسيح بما أنها جدة الملك داود الكبيرة الذي ينحدر منه المسيح. بالفعل، فقد ولدت “عوبيد، وعوبيد ولدَ يسى، ويسى ولد داود” (راعوث 4، 17، راجع متى 1، 3 – 5 ولوقا 3، 31 – 32).
هذه الحقيقة تناقض المبدأ اليهودي: “ليسوا يهوداً اولاد المرأة الغير يهودية”. داود والمسيح ينحدران من امرأة غير يهودية: راعوث.

كم كنا أحببنا لو أن الكتب التاريخية في الكتاب المقدس قد كُتبت جميعها بنفس الروح التي كُتب فيه كتاب راعوث حيث لا يوجد لا عنف ولا عنصرية. نعمة، الحماة اليهودية، رائعة بحبها وحنانها لراعوث، الغير يهودية. إن نعمة، هي التي دفعت راعوث إلى أحضان بوعز الزوجية. العلاقة المتناغمة بين الحماة والكنة تتصف بالمثالية. ما كان الله يطلبه من بني إسرائيل هو تصرف مماثل. نعمة تستحق أن تكون سلف المسيح؛ هذا الروح العطوف والمنفتح هو الذي أتى يسوع ليمنحه للعالم. هذا هو الروح القدس، المعاكس كلياً للروح القومي المتطرف الذي نجده في أماكن عدة من التوراة.

كتاب صموئيل الأول

كتابا صموئيل وكتابا الملوك يشكلون مجموعة تاريخية من زهاء 550 سنة، تمتد من سنة 1100 ق.م إلى سنة 580 ق.م. هذه الكتب الأربع تحكي قصة تأسيس المملكة، انقسامها إلى مملكتين، وسقوطهما، السقوط الذي أدّى إلى سبي بني إسرائيل إلى بابل.
ملاحظة: بعض الكتب المقدسة تطلق على كتابي صموئيل إسم “كتابي الملوك الأول والثاني” وكتابي الملوك إسم “الملوك الثالث والرابع”، دون أن تأتي على ذكر صموئيل كعنوان. يعود ذلك لأن هذه الكتب الأربع تتكلم عن الملوك الإسرائيليين.
إقرأ كتاب صموئيل الأول قبل متابعة التوضيحات أدناه.

مقدس شيلوه

في شيلوه كان يوجد تابوت العهد. دمره الفلسطينيون واستولوا على التابوت (صموئيل الأول 4، 11). يزعم الكتبة أن هؤلاء خافوا منه (صموئيل الأول 4، 7). لكن داود خاف منه هو أيضاً فيما بعد (صموئيل الثاني 6، 9 – 10). هذه الوقائع تكشف المفهوم الخرافي القديم لكل ما يتعلق بالألوهية. كان الله مرهوباً، وكل ما يتعلق به لا يُمس ويبعث إلى الخوف.

صلاة حنة (صموئيل الأول 2، 1 – 10)

ترتجل حنة نشيداً لله الذي خلصها من “عار” العقم. استطاعت أن ترفع رأسها أمام فننة، امرأة زوجها الأخرى، التي نظراً لخصوبتها، كانت تحتقر حنة. أخذت هذه الأخيرة بثأرها بانجابها صموئيل، ابن حميد الأخلاق وعظيم الشأن: “بك يا رب تهلل قلبي… تكسرت أقواس الجبابرة… العاقر ولدت سبعة (صموئيل، عظيم في عيني الرب، يساوي سبعة أولاد) وكثيرة البنين (فننة) ذبلت” (صموئيل الأول 2، 4 – 5). العذراء مريم، التي كانت حبلى بالمسيح، استوحت من هذه الصلاة: “تعظم نفسي الرب…” (لوقا 1، 44 – 55). تجدر الإشارة إلى أنه يوجد خطأ تاريخي في نشيد حنة: “يختار ملكه ويمنحه النصر…” (صموئيل الأول 2، 10). في ذلك الوقت لم يكن يوجد بعد ملك في إسرائيل. ما يدل على أن الكتبة قد أضافوا في وقت متأخر فوارقاً ملكية ووطنية على النشيد.

تأسيس المملكة

النقطة الأهم في كتاب صموئيل الأول هي تأسيس المُلك مع شاول كملك أول (1030 – 1010 ق.م). “استاء صموئيل من قولهم”، يقول النص، والله استاء أيضاً لأنه اعتبر نفسه “مرفوضاً” من بني إسرائيل “كي لا يملك عليهم” (صموئيل الأول 8، 6 – 7). أحد العوامل التي ستبتعث الرغبة في إنشاء مملكة كان فسق أبناء صموئيل (8، 5) بعد أبناء الكاهن عالي (صموئيل الأول 2، 12 – 25).
هذا التحول لجماعة بني إسرائيل إلى أمة إسرائيلية أدانه الأنبياء: “ينصبون ملوكاً ولا يستشيرونني. يقيمون رؤساء وأنا لا أعلم”، يقول الله للنبي هوشع (هوشع 8، 4)، ثم أعلن للشعب بغضب: “أعطيتكم ملوكاً في غضبي وأخذتهم في غيظي” (هوشع 13، 11). لقد انتهى النظام الملكي بالفعل بعد الاجتياح الأشوري البابلي ثم الروماني، كما سنرى فيما بعد.
بعد أن طالبوا بملك، سأل صموئيل الشعب أن “يعلموا ويروا عظمة الشر الذي فعلوه في عيني الرب لأنهم طلبوا ملكاً”. اعترف الإسرائيليون بخطأهم وقالوا لصموئيل: “زدنا على جميع خطايانا سوءاً حين طلبنا لنا ملكاً” (صموئيل الأول 12، 17 – 19)… لكن دون أن يتخلوا عن مَلكهم.

بهدف الحرب والعنف، لا بهدف السلام، طلب الإسرائيليون ملكاً: “يملك علينا ملك ونكون نحن أيضاً كسائر الشعوب، فيقضي بيننا ويكون قائدنا ويحارب حروبنا” (صموئيل الأول 8، 19 – 20). لقد فهم جدعون أن الملك الوحيد هو الله (قضاة 8، 23). يسوع بدوره رفض إقامة مملكة إسرائيلية (يوحنا 6، 15) معلناً أن مملكته ليست من هذا العالم السياسي (يوحنا 18، 36). “الرب إلهكم هو ملككم”، أصر أيضاً صموئيل (صموئيل الأول 12، 12).

القطيعة بين صموئيل وشاول

أخذ شاول المبادرة بتقديم المحرقة بدلاً من صموئيل في جلجال. لقد ادّعى بذلك حقاً دينياً لا يخصه وحل محل صموئيل الذي أبعده على الفور. “لن يدوم ملكك، لأن الرب اختار له رجلاً يرضيه (داود)، وأمره أن يكون رئيساً على شعبه (صموئيل الأول 13، 8 – 15).

داود وجليات (صموئيل الأول 17 – 18)

كان على داود الشاب أن يقتل جليات العملاق الفلسطيني من جت (صموئيل الأول 17، 1 – 51). وكان ذلك ما أكسبه صداقة متينة (صداقة يوناثان ابن شاول) وعداوة عنيفة (عداوة شاول): “تعلق قلب يوناثان بداود وأحبه كنفسه” (صموئيل الأول 18، 1). بالمقابل، “غضب شاول وساءه ذلك، وقال: جعلن لداود عشرات الألوف، وأما لي فجعلن ألوفاً. وبعد، فما بقي له إلا أن يأخذ الملك. وأخذ شاول يضمر الشر لداود منذ ذلك اليوم”. وفي الغد حاول شاول مرتين أن يرميه بالرمح، فتنحى عنه داود في المرتين (صموئيل الأول 18، 6 – 11).
ما هي الأصالة التاريخية لهذه الرواية؟ هل أن داود هو في الحقيقة من قتل جليات؟ نقرأ مع ذلك في صموئيل الثاني 21، 19 أن رجلاً يدعى ألحانان هو الذي صرعه: “ثم نشبت معركة أخرى في جوب مع الفلسطيين (الفلسطينيين)، فقتل ألحانان بن يائير الذي من بيت لحم جليات الجتي…”. بالتالي فإن انتصارات داود ليست إلا ملاحم عادية بهدف إعطاء صورة البطل لملك إسرائيل. المقصود هو جليات الجتي نفسه، لأن “قناة رمحه كانت سميكة كنول النساج” (صموئيل الأول 17، 7 / صموئيل الثاني 21، 19).
دامت محبة يوناثان لداود حتى الموت، كذلك حقد شاول الذي كان يسعى طوال عمره إلى قتل داود. العديد من مزامير داود كانت أناشيد إيمان بالله وشكران له لأنه أنقذه من يد شاول (المزامير 18 ؛ 52 ؛ 54 ؛ 57 ؛ 59 ؛ 63).

لجوء داود إلى أخيش

يسرد الكتبة مرتين بشكل مختلف قصة هروب داود من شاول والتجائه إلى أخيش، ملك جت الفلسطيني، في منطقة جليات. في الرواية الأولى (صموئيل الأول 21، 11 – 15) الملك يستقبل داود: “فقال له رجال حاشية أخيش: أهذا داود ملك الأرض؟ أما له كانت النساء يغنين في الرقص ويقلن: ضرب شاول الألوف وداود عشرات الألوف؟ فتأمل داود هذا الكلام في قلبه، وخاف جدا من أخيش ملك جت. فراح يتظاهر بالجنون… وهرب داود من جت ولجأ إلى مغارة عدلام”. تجدر الإشارة إلى أنه “انضم إليه كل من ضاقت به الحال، أو كان عليه دين… فتولى قيادتهم…” ثم لجأ داود بعد ذلك إلى ملك موآب وعهد إليه بأمه وأبيه (صموئيل الأول 21، 11 – 15 / 22، 1 – 4).
وفقاً للرواية الثانية (صموئيل الأول 27، 1 / 29، 11)، لجأ داود إلى أخيش الذي استقبله وأعطاه مدينة صقلغ حيث مكث سنة وأربعة أشهر. وختم الكتبة قائلين: “…صارت صقلغ لملوك يهوذا إلى هذا اليوم” (صموئيل الأول 27، 6). كان يكفي إذاً لليهودي أن يسكن مكاناً حتى تحتله إسرائيل نهائياً: “كل مكان تدوسه أقدامكم أعطيه لكم، كما قلت لموسى”، ينسب الكتبة هذا القول… إلى الله! (يشوع 1، 3).
ترحيب الملكين بداود يبرهن على أنه كان بمقدور بني إسرائيل أن يعيشوا بسلام في فلسطين!

الأرواحية: استحضار الأرواح (صموئيل الأول 28، 3 – 25)

استحضر شاول صموئيل الذي حضر، لكن ليوبخه، معلناً له عن موته مع أبنائه. الأرواحية، استحضار الأرواح، ممكنة، لكن الله أدانها (لاويين 19، 31 / التثنية 18، 10 – 11). ففي أغلب الأحيان تحضر أرواح شريرة لتضلل الذين يسعون إليها. رغماً عن ذلك، كان بنو إسرائيل يمارسون مناجاة الأرواح (أو العرافة)، ملوكهم ضمناً (الملوك الثاني 21، 6). كما يُستعان بها اليوم أيضاً في كل أنحاء العالم.
كتاب صموئيل الأول، بعد أن عرّف عن شاول، ينتهي بموته.

كتاب صموئيل الثاني

يقدّم هذا الكتاب مُلك داود وينتهي قبيل موته. إقرأه بالكامل ثم عد إلى النقاط المشار إليها أدناه.

داود الملك

بعد موت شاول، اختار داود “ومسحه بيت يهوذا ملكاً عليهم” (صموئيل الثاني 2، 7). بيت يهوذا، المؤلف من أعضاء عشيرة يهوذا والذي يحمل نفس الإسم، كانوا يعيشون في المنطقة الجنوبية من فلسطين، من أورشليم في الشمال إلى حبرون (الخليل) في الجنوب، حيث توجد مقابر الآباء. لكن عشائر الشمال، التي كانت تُدعى “إسرائيل”، رفضت داود واختارت واحداً منها، إيشبوشث، ابن شاول، كملك على إسرائيل (صموئيل الثاني 2، 8-10). اسم إيشبوشث يعني “رجل بعل” (إيش=رجل في العبرانية). هذا الاسم الذي أعطاه شاول لابنه يدل عن تعلقه بعبادة الأصنام.
هذا التوتر بين “يهوذا” و “إسرائيل” دام حتى سقوط المملكتين. الضغينة بين الملكين دفعت داود إلى أن يملك انطلاقاً من حبرون، في الجنوب، بعيداً عن أعدائه (صموئيل الثاني 2، 11). “طالت الحرب بين أتباع شاول وأتباع داود، وكان أتباع داود يتقوون وأتباع شاول يضعفون” (صموئيل الثاني 3، 1). يوجد مثل على “القتال الشديد” بين المملكتين في صموئيل الثاني 2، 8 – 32.
أبنير، القائد العسكري لإسرائيل، قطع علاقته مع ملكه إيشبوشث بسبب امرأة. وفرض داود ملكاً على كل الشعب، من الشمال إلى الجنوب (صموئيل الثاني 3، 6 – 21). بعد مقتل أبنير وإيشبوشث “أقبل جميع أسباط إسرائيل إلى داود في حبرون وقالوا له: أنت تكون قائداً… ومسحوه ملكاً على بيت إسرائيل” (صموئيل الثاني 5، 1 – 3)، بعد أن اعترف به ملكاً على يهوذا.
آية غريبة تكشف أن “بنو داود كانوا كهنة” (صموئيل الثاني 8، 18). في حين أن الكهنوت، وفقاً للشريعة الموسوية، كان حكراً على اللاويين من نسل هارون (العدد 17، 5 / 18، 7). داود الذي كان من عشيرة يهوذا، لم يكن يحق له ذلك. لأنهم مارسوا الكهنوت، استحق أبناء داود الموت: “خُصص هارون وبنيه لخدمة الكهنوت ومن اقترب لخدمته سواهم يُقتل” (العدد 3، 10). أثار شاول غضب صموئيل بعد أن تجرأ على تقديم المحرقة (صموئيل الأول 13، 7 – 15). قورح وأتباعه تمت إبادتهم لأنهم طمحوا إلى الكهنوت، مع أنهم كانوا لاويين (العدد 17، 5). أبناء داود تعدّوا إذاً على حق يعود للاويين، مثيرين غضبهم الأكيد، خصوصاً وأن كاهنان لاويان، صادوق وأخيمالك، كانا يرأسان الخدمة الكهنوتية (صموئيل الثاني 8، 17). هذا الواقع، بتجاوزه المفهوم القانوني الضيق للكهنوت الموسوي، يمهد للكهنوت الشامل الذي أسسه يسوع (راجع متى 12، 1 – 8 / كورنثوس الأولى 3، 16 – 17 / رؤيا 1، 6 / 5، 9 – 10 / 20، 6).

داود يحتل أورشليم

في سنة 1000 ق.م احتل داود أورشليم ودعاها “مدينة داود” (صموئيل الثاني 5، 6 – 9). وأصبحت أورشليم عاصمة ومكان إقامة الملك بعد حبرون. “كان داود ابن ثلاثين سنة يوم صار ملكاً (عمر يسوع عندما بدأ رسالته: لوقا 3، 23) وملك أربعين سنة. ملك بحبرون على بيت يهوذا سبع سنين وستة أشهر، وملك بأورشليم ثلاثاً وثلاثين سنة على جميع إسرائيل ويهوذا” (صموئيل الثاني 5، 4 – 5). هكذا أصبحت المدينة عاصمة المملكة.

تابوت العهد

نُقل تابوت العهد إلى أورشليم التي، بعد أن أصبحت العاصمة، ستصبح مركز الديانة والحج. بعد أن بنى لنفسه قصراً، رغب داود ببناء معبد ليضع فيه تابوت العهد. كانت هذه فرصة النبي ناثان ليعلن عن النبوءة المسيحية المهمة في صموئيل الثاني 7، 1 – 17. يجب إعادة قراءتها قبل متابعة الدرس.

نبوءة ناثان المسيحية (صموئيل الثاني 7، 1 – 17)

هذه النبوءة هي النقطة الأهم في الكتاب. لقد أعلم داود النبي ناثان عن نيته بناء معبد ليحمي فيه تابوت العهد. فوافقه ناثان تلقائياً، “لكن الرب قال لناثان في تلك الليلة: إذهب وقل لعبدي داود: هذاما يقول الرب: أأنت تبني بيتاً لسكناي؟ ما سكنت بيتاً… وإذا انتهت أيامك ورقدت مع آبائك، أقمت خلفاً لك من نسلك الذي يخرج من صلبك وأثبت ملكه. فهو يبني بيتاً لاسمي وأنا أثبت عرش ملكه إلى الأبد. أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً”. هكذا يرفض الرب ويستبعد فكرة المعبد الذي كان داود ينوي بناءه ويعلن أن أحد المنحدرين منه سيبني الهيكل كما قال الله.
تفسير النبوءة:
الهيكل
الله لا يريد أن يبني له داود بيتاً من حجر وطين: “ما سكنت بيتاً” يقول الرب (صموئيل الثاني 7، 6). بالأحرى إن “الرب هو الذي سيقيم له بيتاً” (صموئيل الثاني 7، 11). لأن الهيكل بالنسبة لله، بيته، ليس بناءً مادياً: الله يسكن قلب المؤمنين الحقيقيين، “من أحبني”، قال يسوع، “أحبه أبي، ونجيء إليه ونُقيم عنده (فيه)” (يوحنا 14، 23). يقول بولس أيضاً: “أما تعرفون أنكم هيكل الله؟” (كورنثوس الأولى 3، 16)، وبطرس: “أنتم أيضاً حجارة حية في بناء مسكن روحي…” (بطرس الأولى 2، 5). لهذا السبب، في كتاب الرؤيا، لا يرى يوحنا هيكلاً (كنيسة، جامع أو باغود… ) في “أورشليم السماوية” التي ترمز إلى مؤمني نهاية الأزمنة، “لأن الرب الإله القدير والحمل (المسيح، يسوع) هما هيكلها” (رؤيا 21، 22). الذين يبنون لله أبنية مادية لم يفهموا شيئاً من نبوءة ناثان ولا من تعاليم يسوع ورسله.
المسيح
سليل من داود، عرف منذئذ بـ “ابن داود”، سيبني هذا الهيكل الذي يريده الله… هذا المنحدر هو المسيح وهذا الهيكل هو روحي، وليس مادياً. أخطأ اليهود بتفسير هذه النبوءة معتقدين أن سليمان، ابن وخلف داود على العرش، هو الذي كانت مهمته بناء الهيكل المادي في أورشليم. التدخل الإلهي ينورنا إذاً ليس فقط على المعنى الحقيقي للهيكل، بل أيضاً على المسيح الذي أتى ألف سنة بعد الإعلان عن هذه النبوءة الجميلة لناثان.
المسيح هو “نسل”، نسب، متحدر “من صلب” داود (صموئيل الثاني 7، 12). انطلاقاً من هذه النبوءة عُرف المسيح بـ “ابن داود”، “ابن يسى” (يسى هو والد داود). هو أيضاً “ابن الله” بما أن الله يقول: “أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً”. اعتقد اليهود أن المقصود كان سليمان، ابن وخلف داود (راجع أخبار الأيام الأول 22، 1 – 19 وخاصة الآيات 8 – 10). لهذا السبب أراد سليمان، بأي ثمن، أن يبني هيكلاً من خشب الأرز والذهب حيث وضع تابوت العهد. لكن النبوءة كانت تهدف إلى أبعد من الابن المباشر لداود. كانت تشير إلى يسوع، الذي أتى بعد ألف سنة وتكلم عن خراب الهيكل المادي الذي بناه سليمان وخلفاؤه، مقدما “جسده”، أي نفسه، كهيكل نهائي للمؤمنين (يوحنا 2، 19 – 22 / رؤيا 21، 22).
نبوءة ناثان كانت تهدف إذاً إلى أبعد وأعلى من ذلك بالروح من الرؤية البشرية: لم يكن المقصود لا سليمان ولا بناء مادي. لم يُفهم ذلك إلا بعد تحقق نبوءة ناثان بعد عشرة قرون عندما ظهر الملاك جبرائيل على العذراء الوديعة من الناصرة ليقول لها: “ستحبلين وتلدين ابناً تسمينه يسوع. فيكون عظيماً وابن الله العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله عرش أبيه داود” (لوقا 1، 26 – 37). إقرأ هذا النص بانتباه مقارناً إياه بنبوءة ناثان.
لماذا يسوع هو “ابن الله العلي”، “ابن الله الوحيد” كما يقول يوحنا (يوحنا 3، 16) ؟
الإجابة موجودة في الحوار بين مريم وجبرائيل (لوقا 1، 35) :
مريم: “كيف يكون هذا وأنا عذراء لا أعرف رجلاً”.
جبرائيل: “الروح القدس يحل عليك… لذلك فالقدوس الذي يولد منك يُدعى ابن الله”.
أعطانا يسوع نوراً جديداً على بنوته. إنه أكثر من “ابن داود”، سلسلة نسبه لا تقدر أن تشير إلى بشر، مهما كان عظيماً، لأنه يأتي من مكان أعلى بكثير، إنه يأتي مباشرة من الله الذي هو تجسده. مجادلاً الفريسيين، طرح يسوع عليهم هذا السؤال: “ما قولكم في المسيح؟ ابن من هو؟ قالوا له: ابن داود! قال لهم: إذاً، كيف يدعوه داود رباً، وهو يقول بوحي من الروح: قال الرب (الله) لربي (المسيح): إجلس عن يميني… (المزامير 110، 1). فإذا كان داود يدعو المسيح رباً، فكيف يكون المسيح ابنه؟” فما قدر أحد أن يجيبه بكلمة (متى 22، 44 – 45). طبيعة يسوع الإلهية تتفوق على نسبه البشري. لا أحد يمكنه أن يتصور هذا الأصل. إنه يعود إلى الأزل، لا إلى الزمن. النبي ميخا، ثمانية قرون قبل يسوع، كشف بوحي من الله أصل يسوع الإلهي بقوله: “يكون منذ القديم، منذ أيام الأزل” (ميخا 5، 1).
يسوع هو إذاً ابن الله لأن ما من بشر يستطيع أن يزعم، بالعدل والحق، أن يكون والده في الجسد. بتدخل مباشر من الله حبلت مريم بيسوع في أحشائها. لهذا السبب الله وحده هو والده، “الروح القدس يحل عليها وقدرة العلي تظللها… فما من شيء غير ممكن عند الله” (لوقا 1، 35 – 37).
مثل معظم النبوءات المسيحية، لم تُفهم نبوءة ناثان إلا بعد تحققها. إحفظ إذاً كمبدأ أن النبوءة لا تُفهم إلا عند تحققها في الزمن. الذين لا يفهمون النبوءات هم الذين يرفضون أن يفسروها وفقاً لروح لله، لأنهم يريدونها أن تتحقق وفقاً لهم. بالإضافة إلى ذلك، إن غلطة اليهود هي أنهم رفضوا يسوع لأنه لم يتوافق وطموحاتهم القومية والعسكرية. “لا أفكاري أفكاركم يقول الرب، ولا طرقكم طرقي” (إشعيا 55، 8 – 9).
من هذه النبوءة الرائعة لناثان، علينا أن نحفظ أنه لا يجب على أحد أن يبني بيتاً مادياً لله. إن الله هو الذي يبني مسكناً أبدياً لجميع المؤمنين (صموئيل الثاني 7، 11)، هيكلاً روحياً لجمع مختاريه في سعادة أبدية. لقد بنى يسوع هذا الهيكل الروحي: هو نفسه… مع خاصته.

خطيئة داود الفادحة

الفصلان 11 و 12 يرويان جريمة داود المزدوجة: زنى مع بتشابع، مضاعف بقتل زوجها أوريا الحثي، قتل متعمد وشنيع. وبّخ ناثان داود الذي ندم على فعله. ألّف داود المزمور 51(50) لطلب المغفرة من الله: “إرحمني يا الله برحمتك، وبكثرة رأفتك أمح معاصي…”.

أمنون وتامار

أمنون هو الإبن البكر لداود. أُغرم بتامار أخت أبشالوم، الإبن الثالث لداود (صموئيل الثاني 3، 2 – 3). لجأ إلى الحيلة واغتصبها، ثم أذلّها بطردها. أمر أخوه أبشالوم بقتله، ثم هرب بعيداً عن داود (صموئيل الثاني 13 و 14).

أبشالوم يستولي على مملكة داود

الفصول من 15 إلى 19، 5 تروي لنا مكائد أبشالوم لخلع أبيه عن العرش. كيف استولى على العرش لفترة قصيرة وعبث مع جواري داود.

التوتر الشديد بين إسرائيل ويهوذا

التوتر الحاد بين الشمال (إسرائيل) والجنوب (يهوذا) تجلّى في مناسبة رجوع داود على العرش. المنطقتان تنافستا على الملك (صموئيل الثاني 19، 41 / 20،2). ثورة شبع، من بني بنيامين (من الشمال)، هيأت للانشقاق بين قسمي المملكة الذي حصل بعد نحو أربعين سنة (حوالي 931 ق.م). صرخة العصيان على داود التي أطلقها شبع سوف يرددها إذاً متمردو إسرائيل على يهوذا: “ما لنا ولبيت داود… إلى خيامكم يا بني إسرائيل، وليتدبر بيت داود أمره” (الملوك الأول 12، 16).
إنشاء مملكة إسرائيل لم يحل شيئاً، بل زاد الوضع سوءاً بين بعضهم البعض، وأفسد علاقتهم مع الشعوب المجاورة. ارتكب الملوك أخطاء جسيمة، لا بل تعديات. تحذيرات صموئيل لهم بررها تصرفهم الذي سيؤدي بهم، كما يكشفه كتاب الملوك، من سيء إلى أسوأ. الكلام الذي وجهه صموئيل إلى الجماعة في صموئيل الأول 8، 10 – 18 قد تحقق: “…في ذلك اليوم تصرخون إلى الرب كي ينقذكم من الملك الذي اخترتموه لأنفسكم، فلا يجيبكم الرب!”.

الإحصاء (صموئيل الثاني 24، 1 – 9)

يعتبر تعداد الشعب الذي قام به داود كفراًً، لأنه كان يعني أنه كان يثق بنفسه بدلاً من ثقته بالله القادر هو تعالى على زيادة عدد السكان ورعايتهم. ذهنية العصر كانت تنسب كل مبادرة إلى الله. إن الله إذاً هو الذي حرّك داود ضد بني إسرائيل ودفعه إلى تعدادهم. لكن كتاب أخبار الأيام الأول، الذي كُتب بعد خمسة قرون، يصوب الأمور محدداً بدقة أن: “الشيطان نوى الشر لبني إسرائيل فحض داود على إحصاء شعبها” (أخبار الأيام الأول 21، 1). إذاً، هل كان الله أو الشيطان هو الذي أوحى ذلك لداود؟ أو هل أنها كانت رغبة عادية لداود الذي كان يتمنى رؤية عدد محاربي يهوذا يفوق عدد محاربي عدوته إسرائيل؟ إلا أن هذا الإحصاء خيّب أمل الملك: “أخذ ضمير داود يؤنبه بعد إحصاء الشعب” (صموئيل الثاني 24، 10). لماذا؟ لأن عدد محاربي إسرائيل قد تجاوز بفارق كبير عدد محاربي يهوذا الذين في خدمة داود: 800.000 مقابل 500.000 بحسب صموئيل الثاني 24، 29، لكن 1.100.000 مقابل 470.000 فقط بحسب أخبار الأيام الأول 21، 5 الذي يضيف أيضاً: “ولم يحص يوآب سبطي لاوي وبنيامين لأن ما أمر به الملك كان مكروهاً لديه” (أخبار الأيام الأول 21، 6). الأمر الذي جعل قلب الملك يرتجف أمام أعداء يفوقونه عدداً بشكل واضح… دون أن نحسب حساب عشيرتي لاوي وبنيامين العدوانيتين… اللتان لم يتم إحصاءهما!
أي من الإحصائين علينا أن نصدّق؟ أين الحقيقة التاريخية؟ هذان النصان المختلفان هل هما بوحي من الله؟ مثل آخر يتطلب تمييزاً وروحاً تحليلياً. هذا النص المكتوب بعد خيبة أمل داود، يفسر الإحصاء على أنه لعنة.
هذا الفصل يسمح لنا بأن نفهم بشكل أوضح لماذا جميع القرارات التي كان يأخذها موسى وآخرون كانت تُعتبر، بشكل خاطئ في كثير من الأحيان، كأنها آتية من الله. كان الأمر بحاجة لوقت طويل، ولنور يسوع المسيح خاصة، لتمييز ما هو حقاً آتٍ من الله في الكتب المقدسة. نفهم لماذا قال يسوع للذين رفضوه: “أنتم أولاد إبليس أبيكم، وتريدون أن تتبعوا رغبات أبيكم” (يوحنا 8، 44). ذلك لأن رفضهم الاعتراف بأن يسوع هو المسيح ليس أبداً بوحي من الله، بل من الشيطان (تأمل كورنثوس الأولى 12، 3).

الصفحات: 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14
Copyright © 2024 Pierre2.net, Pierre2.org, All rights reserved.