الدرس الثامن – كتب الملوك – أخبار الأيام – عزرا ـ نحميا ـ طوبيا ـ يهوديت ـ أستير ـ المكابيين
كتاب الملوك الأول
إقرأ هذا الكتاب بكامله ثم النقاط التي أشير إليها:
سليمان ملك: لقد اختار داود سليمان خلفاً له قبل موته فوضع بالتالي حدّاً للمؤامرات المتعلقة بخلافة العرش. فقد كان المُلك لأدونيا، البكر (الملوك الأول 2، 15 – 22).
![]() مذبح |
التجأ يوآب إلى خيمة الرب وتمسّك بقرون المذبح؛ إلا أنه قُتل بأمر من سليمان لأنه انحاز إلى أدونيا (الملوك الأول 2، 28 – 34). زوايا مذبح الأضاحي كانت على شكل قرون كي تسمح لدم الحيوانات المذبوحة أن يجري من خلالها (خروج 27، 2). الذين كانوا يلجأون إلى الهيكل ويتمسكون بقرون المذبح كانوا لا يُطرحون في مكانهم (موقف أدونيا: الملوك الأول 1، 50 – 53). مارس المسيحيون هذه العادة لوقت طويل، خاصة في أوروبا، حيث كان المجرمون يلجأون أحياناً إلى الكنائس حتى لا تقبض الشرطة عليهم ما داموا موجودين فيها.
بناء الهيكل: 480 سنة بعد الخروج من مصر (حولي سنة 96 ق.م) بنى سليمان الهيكل من خشب الأرز ونقل إليه تابوت العهد (الملوك الأول من 6 إلى 8). عُرف هذا الهيكل بـ “الهيكل الأول” لأورشليم. دمره نبوخذنصر بعد حوالي 400 سنة (في 586 ق.م). “المعبد الثاني” أعيد بناؤه في سنة 515 ق.م. <table
![]() هيكل سليمان |
عمودا الهيكل: عند مدخل الهيكل، أقام سليمان عمودين: “ياكين” (التي تعني بالعربية “يقين” أي “المعرفة المطلقة”)، و”بوعز” (“القوة”، من الممكن أن تكون مشابهة لكلمة “فولاذ” التي تعني “الحديد الصلب”) (الملوك الأول 7، 21). أشير إلى هذا الأمر لأنه مهم في “صوفية” بعض الطوائف السرية مثل الماسونية والوردة المصلبة التي تعبد الـ “غنوصية”، التي تعني “المعرفة”، وهو اسم أحد العمودين، رمز المعبد الذي يريد اليهود بناءه في القدس.
ملكة سبأ (الحبشة: الملوك الأول 10، 1 – 13): زيارة هذه الملكة مهمة لأن يسوع يرجع إليها فيما بعد بقوله لليهود الذين كانوا يرفضون أن يؤمنوا به: “ملكة الجنوب ((الغير يهودية) هي ملكة الحبشة، إلى الجنوب (مديان) من فلسطين) ستقوم يوم الحساب مع هذا الجيل (اليهودي) وتحكم عليه، لأنها جاءت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وهنا الآن (بينكم) أعظم من سليمان (وترفضون أن تسمعوا له)” (متى 12، 42).
666 وزنة من الذهب: (الملوك الأول 10، 14): “كان وزن الذهب الذي يرد على سليمان في سنة واحدة 666 وزنة من الذهب”. هذا الرقم يمثل إذاً الإمبراطورية السليمانية في كامل قدرتها وازدهارها. اليهود المعاصرون يحلمون بإقامة مثل هذه المملكة؛ سليمان هو قدوتهم ومثال المسيح الصهيوني الذي ينتظرون لتوسيع حدودهم من النيل إلى الفرات. هذا الخطر الصهيوني هو تهديد للإنسانية بأكملها. لهذا السبب تنبأ به كتاب الرؤيا ليوحنا تحت رمز “الوحش” الذي عدده 666، الذي هو “رقم إنسان”، يشير إلى وزن الذهب الذي كان يرد إلى خزينة الملك سليمان سنوياً (رؤيا 13، 18).
خيانة سليمان: سليمان أحب الله… لكنه أيضاً أحب “كثيراً من النساء الغريبات”، 1000 امرأة بالإجمال… التي “مالت بقلبه إلى آلهة غريبة… وفعل الشر أمام عيني الرب… فغضب الرب على سليمان… وقال له: “…سآخذ المملكة من يدك… لكني أبقي لابنك سبطاً واحداً (يهوذا)…” (الملوك الأول 11، 1 – 13). إنه إعلان الانشقاق بين إسرائيل ويهوذا.
يربعام، شمالي في خدمة سليمان، يثور بسبب ضرائب سليمان على أهل الشمال (الملوك الأول 12، 4). النبي أخيا يعلن ليربعام أنه سيصبح ملكاً على 10 أسباط، لكن الله، كما أعلن بنفسه لسليمان، سيبقي سبطاً واحداً لسلالة داود، “حتى يبقى”، يقول الله، “سراج لداود عبدي كل الأيام أمامي في أورشليم” (الملوك الأول 11، 29 – 36). هذا “السراج” سيؤدي إلى مجيء المسيح من سلالة داود. لهذا السبب، ستصبح مملكة يهوذا محكومة من سلالة مستقرة حتى الغزو البابلي، في حين أن مملكة الشمال ستعاني التمرد تلو الآخر، ملك يقتل آخر ليرث عرشه، دون سلالة دائمة.
الإنشقاق: (الملوك الأول 12) الانفصال بين الجزئين هو علامة فشل لمحاولة إقامة مملكة إسرائيلية. حصل هذا الانشقاق حوالي سنة 930 ق.م، 100 سنة فقط بعد بدايتها مع شاول.
رحبعام، ابن سليمان، كُرس ملكاً في شكيم، في الشمال. فقال له أسباط الشمال حينئذٍ: “أبوك ثقل نيره علينا، فخفف الآن من نيره الثقيل ومن عبوديته الشاقة” (الملوك الأول 12، 1 – 4). أجاب رحبعام بطريقة حمقاء: “أبي ثقل نيركم وأنا أزيد عليه…” (الملوك الأول 12، 14). لم يكن ذلك “تدخلاً من الرب” كما يفسر الكتبة، بل كان بالأصح “عدم تدخل”، تخلّي، لأن الرب ترك رحبعام لجنونه بما أنه لم يكن يرغب بالمُلك (الملوك الأول 12، 15). ردة فعل بني إسرائيل كانت سريعة، إنه الإنشقاق: “ما لنا ولبيت داود… إلخ” (الملوك الأول 12، 16). “وتمردت القبائل الشمالية على بيت داود إلى هذا اليوم” (الملوك الأول 12، 19). تمت كتابة هذا النص إذاً من قبل الكتبة بعد الانقسام.
أخذت عشائر الشمال اسم إسرائيل لأنها، كونها الأكثر عدداً، كانت تمثل يعقوب أب الأسباط العشر، الذي لقبّه الله بـ “إسرائيل” (تكوين 32، 29). احتفظت يهوذا باسمها لأن المسيح ينبثق منها. مؤسسو دولة إسرائيل الحالية، التي تأسست سنة 1948، كانوا محتارين بين اسمي إسرائيل ويهوذا. انتهوا باختيار “إسرائيل”، المعروف أكثر كتابياً.
كان للإنشقاق جانبين، جانب سياسي وآخر ديني:
استتبع الإنشقاق السياسي اختيار الإسرائيليين يربعام ملكاً على مملكة الشمال، في حين أن بني يهوذا احتفظوا برحبعام ملكاً على مملكة الجنوب. الانشقاق الديني كان نتيجة للانشقاق السياسي: “يربعام يقول لنفسه: إذا صعد هذا الشعب إلى أورشليم ليقدموا الذبائح إلى الرب (في الجنوب)، تحن قلوبهم إلى سيدهم رحبعام ملك يهوذا ويقتلوني… فصنع عجلين من ذهب وقال لشعبه: لا حاجة لكم بعد الآن بالصعود إلى أورشليم. هذه آلهتكم التي أخرجتكم من مصر… وأقام كهنة من الشعب، من غير بني لاوي وصعد على المذبح وقدم ذبائح للعجلين…” (الملوك الأول 12، 26 – 33). هكذا أضحى يربعام مثالاً الكفر. دام مُلكه من سنة 931 إلى 910 ق.م.
نتيجة طلب ملك من صموئيل (صموئيل الأول 8) كانت قيام مملكتين ومقدسين، سيتم تدميرهم الواحد تلو الآخر: اللذان في الشمال دُمرا سنة 721 ق.م، 210 سنوات بعد يربعام، واللذان في الجنوب سنة 586 ق.م، بعد 140 سنة. مملكة الجنوب، وهي الأطول، لم تدم سوى حوالي 450 سنة.
ملوك الشمال والجنوب كانوا جميعهم كفاراً، كل واحد أكثر من الآخر، “فاعلين الشر أمام الرب” كما يقول الكتاب المقدس (الملوك الأول 16، 30).
![]() المواقع الرئيسية للفترة الملكية |
النبي إيليا
أسوأ ملوك إسرائيل، في الشمال، كان أخاب، الذي تزوج من امرأة صيدونية اسمها إيزابل، وعبد البعل إلاهها وسجد له (الملوك الأول 16، 29 – 33). ظهر النبي إيليا فجأة ليتنبأ ضد أخاب. إيليا هو من الشمال، من تشب. لاحِظ أن إيليا تنبأ بالقحط كعقاب: “لا ندى ولا مطر” (الملوك الأول 17، 1). دام ذلك ثلاث سنوات وستة أشهر: سنة، سنتين ونصف السنة (الملوك الأول 18، 1؛ راجع أيضاً رسالة يعقوب 5، 17). غالباً ما تتمثل هذه المدة الزمنية بعبارة “زمن، زمنين ونصف الزمن”. لقد أصبحت هذه المدة رمزية. لمعاقبة الكفار في نهاية الأزمنة، سيفعل شاهدا كتاب الرؤيا كما فعل إيليا، لكن بطريقة مختلفة، و “يغلقا (رمزياً) السماء، فلا ينزل المطر في أيام نبوءتهما” (رؤيا 11، 6). يتجلى روح إيليا إذاً في نهاية الأزمنة… لكن قليلون هم الذين يفهمون.
لاحِظ أن الله يتجلى لإيليا بلطف، “بصوت نسيم خفيف، لا بريح شديدة ولا بزلزال” (الملوك الأول 19، 9 – 12).
ما كان على إيليا إلا أن يهرب إلى صرفة، في لبنان (الصرفند حالياً)، عند امرأة غير يهودية (الملوك الأول 17، 7 – 24). يصف يسوع هذا الحدث كمثال يحتذى به: لا يجب أن يكون المرء يهودياً ليرضي الله ويحافظ على أنبيائه. “لمّا سمع الحاضرون (اليهود) في المجمع هذا الكلام غضبوا كثيراً” على يسوع (لوقا 4، 25 – 30). اختار إيليا أليشع خلفاً له (الملوك الأول 19، 19 – 21).
كرم نابوت: (الملوك الأول 21، 1 – 29)
احفظ هذه القصة التي تبرهن على وحشية أخاب وإيزابل وتجسم تحذيرات صموئيل في الأمس ضد الملوك (صموئيل الأول 8، 10 – 20). الويل الذي أعلنه الله على بيت أخاب سيتحقق فيما بعد من خلال المذبحة التي فتكت بالعائلة بأكملها (الملوك الثاني 9، 6 – 10).
النبي ميخا
قصة هذا النبي جديرة بالاهتمام. نميز فيها الأنبياء الكذابين من النبي الحقيقي: 400 “نبي” – كلهم كذابون- يتفقوا ليعلنوا النصر للملكين اليهوديين. واحد فقط، ميخا، يناقضهم جميعاً. النبي الحقيقي وحيد دائماً في مواجهة الجميع. لاحِظ موقف ميخا الساخر: “إذهب فتنتصر…”، في حين أنه كان يعلم جيداً أن الملك سيخسر (الملوك الأول 22، 15). أدرك الملك سخرية ميخا: “كم مرة استحلفتك أن لا تكلمني باسم الرب إلا بالصدق؟” فيستعيد ميخا بصراحة: “أرى شعب إسرائيل مبعثرين على الجبال كغنم بلا راع…” (الملوك الأول 22، 17). يريد الناس أن يعرفوا الحقيقة، لكن إن لم تناسبهم، يرفضونها على حسابهم…
منذ زمن قريب، كانت توجد في فلسطين مدارس يهودية لتعليم النبوءة، مثل المدارس الإكليريكية المسيحية التي تعلم الكهنوت. لكن الأنبياء الحقيقيون ليسوا بحاجة لمدارس وهم مختارون من الله بعيداً عن هذه المؤسسات البشرية، كما كان حال جميع الأنبياء الكتابيين.
قارن بين عجرفة النبي الكذاب صدقيا الذي تجاسر على ضرب ميخا، وموقف هذا الأخير. نتعرف على النبي الكذاب من غطرسته، “كل شجرة يدل عليها ثمرها”، يقول يسوع (لوقا 6، 43 – 45). موقف ميخا (الملوك الأول 21، 24 – 25) مماثل لموقف يسوع تجاه خادم رئيس الكهنة الذي لطمه (يوحنا 18، 22 – 23).
النبي الحقيقي ليس بحاجة إلى استشارة الله بالأوريم والتميم كما كان يفعل الكهنة اللاويون. هذه العادة، لحسن الحظ، لم تعد موجودة بشكل رسمي. وحدهم المضطربون يمارسونها. عندما يختار الله نبياً، فهو يتجلى له. لاستشارة الرب، لسنا بحاجة إلى سحب الوجه أم القفا (الأوريم والتميم) كي نحصل على نصيحة جيدة، فالله يجيب دائماً المؤمنين الحقيقيين الذين يدركون كلامه في قلوبهم (إقرأ متى 7، 7 – 11 ؛ يوحنا 3، 21 – 22). قارن أيضاً موقف الأنبياء الكذابين الذين، ليستشيروا الله، كانوا يلجأون إلى السحر والحركات الاغتباطية التي تحملهم على الهذيان (راجع صموئيل الأول 10، 5)، مع رزانة ميخا الذي لم يكن بحاجة إلى كل هذا الإخراج ليكون على اتصال مع الله وليعرف أن السوريون سينتصرون على اليهود.
ميخا هذا، من الشمال، هو غير ميخا الذي يوجد كتابه بين الكتب النبوية، والذي كان من يهوذا، في الجنوب، وعاش بعد 150 سنة.
في كتاب الملوك الأول هناك نقطتان تاريخيتان علينا أن نحفظهما:
- البناء (العديم الجدوى) للمعبد الأول من قبل سليمان،
- الانشقاق بسبب التوتر بين اليهود. هذا يعني إخفاق الملكية الإسرائيلية كما تنبأ به الله وأنبياءه.
كتاب الملوك الثاني
هذا الكتاب مهم من الوجهة التاريخية؛ إنه يتكلم عن الحدث المركزي الذي رسم تاريخ “الأمة” الإسرائيلية: السبي إلى أشور وإلى بابل. إنه إتمام تهديد موسى الذي حذر اليهود من أنه في حال الخيانة “يزيلهم الرب عن الأرض التي يدخلون ليمتلكوها” (التثنية 28، 62 – 63). الأنبياء الذين ستصادفهم في الكتب النبوية (إشعيا، إرميا، حزقيال، إلخ.) قد تنبأوا أيضاً بهذا العقاب.
إقرأ هذا الكتاب بانتباه شديد، دون أن تتعب نفسك بحفظ أسماء جميع الملوك الذين ستصادفهم. بعد ذلك ستقرأ تفسيراتي:
رفع إيليا
إيليا هو الشخصية الكتابية الثانية الذي لا يطاله الموت الجسدي. الشخصية الأولى كانت أخنوخ (تكوين 5، 24). لا يوجد إذاً قبر لإيليا على الأرض (الملوك الثاني 2، 11 – 18).
أليشع يخلف إيليا روحياً. لاحظ بأية قوة وبأي ازدراء يخاطب ملك الشمال، إضافة إلى رغبته في استشارة الله على صوت موسيقى العود العذبة (الملوك الثاني 3، 14 – 15): لا أوريم ولا تميم ولا هذيان. الموسيقى ترفع الروح عندما تكون متناغمة. المخطط الشيطاني الذي يطبقه عملاء “وحش الرؤيا” في نهاية الأزمنة هذه يهدف إلى إبعاد مؤمني الله بالموسيقى المحرّضة، المتنافرة، التي إيقاعها الصاخب يدمر النفس البشرية بكل ما للكلمة من معنى. داود، هو أيضاً، كان يمجد الله على أنغام الموسيقى؛ جميع مزاميره هي تراتيل وأناشيد تغنّى.
صنع أليشع المعجزات مثل إيليا: معجزة تكثير الزيت (الملوك الثاني 4، 1 – 7)، إحياء الصبي الميت (الملوك الثاني 4، 33 – 37) : لاحظ العدد 7 رمز الكمال. شفاء قائد الجيش السوري (الملوك الثاني 5، 14) يرجع إليه يسوع ليربك اليهود العنصريين (لوقا 4، 27). لاحظ أيضاً العدد 7 (الملوك الثاني 5، 10). هذا الغسل في نهر الأردن يرمز إلى المعمودية.
أشير إلى حادث ازدواجية التواجد: أليشع في مكان بعيد لكنه مع ذلك موجود: يرى خادمه، جيحزي، يبتز مالاً من نعمان (الملوك الثاني 5، 20 – 27).
نقطة أخيرة مهمة يجب أن تعرفها عن إيليا كي تفهم ماذا يقول يسوع عنه. قال الله بلسان النبي ملاخي: “ها أنا أرسل إليكم إيليا النبي، قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الرهيب. فيصالح الآباء مع البنين، والبنين مع الآباء” (ملاخي 3، 23 – 24). منذ ذلك الوقت، واليهود يترقبون رؤية إيليا آتياً بشخصه قبل أن يظهر المسيح. والحال هو أن الرسل رأوا إيليا يتجلى مع موسى بعد مجيء يسوع ودُهشوا. يسوع فسر لهم أن المقصود كان يوحنا المعمدان (متى 17، 1 – 13). في الواقع، عندما أعلن جبرائيل لزكريا عن ولادة يوحنا، قال له: “يسير (يوحنا) أمام الله بروح إيليا وقوته، ليصالح الآباء مع الأبناء…فيهيىء للرب شعباً مستعداً له” (لوقا 1، 17). ليس المقصود إذاً إيليا بشخصه بما أن هذا الرسول سيسبق المسيح “بروح” إيليا، هذا الروح نفسه الذي، من قبل، “حل على أليشع” (الملوك الثاني 2، 15). لقد ظهر إيليا عند تجلي يسوع (متى 17) كي يكشف لنا أن نبوءة ملاخي قد تحققت مع يوحنا المعمدان (راجع متى 11، 10). قارن قوة إيليا تجاه أخاب وإيزابل مع قوة يوحنا المعمدان في وجه هيرودس وهيرودية (متى 14، 3 – 4). إنه نفس الروح الذي يتكلم بقوة ويتنبأ بشجاعة ضد الظالمين الكبار والأقوياء في هذا العالم. هذا الروح سيظهر من جديد في رؤيا يوحنا في نهاية الأزمنة المحددة للوثنيين (رؤيا 10، 11).
مع إيليا وأليشع نحن في حوالي سنة 850 ق.م. سننتقل إلى الفصل 17 ونتقدم 120 سنة لنرى السبيين: أولاً سبي الشمال (إسرائيل) ثم سبي الجنوب (يهوذا).
![]() تسلسل الملوك الكتابيين (الملوك الثاني 14 إلى 25) |
سبي الشمال (الملوك الثاني الفصل 17 إلى 19)
في سنة 721 ق.م (تاريخ للحفظ) غزا شلمنأسر ملك أشور “أرض إسرائيل وحاصر السامرة… فاحتلها وسبى شعب إسرائيل إلى أشور… (الملوك الثاني 17، 5 – 6)… وسقطت السامرة لأن بني إسرائيل خطئوا إلى الرب إلههم… وعبدوا آلهة أخرى… وأقاموا تماثيل وأنصبة… وصنعوا عجلين من المعدن المسبوك… وعبدوا البعل وأحرقوا له بنيهم وبناتهم في النار…” (الملوك الثاني 17، 7 – 17).
لم يسبي ملك أشور بني إسرائيل فقط، بل “جلب قوماً من بابل… وأسكنهم مدن السامرة” (الملوك الثاني 17، 24). هذا الوجود الغريب سيكون سبباً لاتساع الشقاق بين يهود اليهودية والسامريين الذين، منذ القدم، يحتقرهم بني يهوذا ولا يعتبرونهم يهوداً: “أنت يهودي وأنا سامرية، فكيف تطلب مني أن أسقيك؟” قالت المرأة السامرية ليسوع ثمانية قرون بعد هذا السبي. الإنجيل يفسر أنه بالفعل “اليهود لا يخالطون السامريين” (يوحنا 4، 7 – 9).
النبي إشعيا (من يهوذا) معاصر لهذا السبي. سنحاريب، إبن وخلف شلمنأسر، “هجم على مدن يهوذا المحصنة واحتلها” (الملوك الثاني 18، 13). حتى أورشليم كانت مهددة (الملوك الثاني 18، 17) وحزقيا، ملك يهوذا، استجار بمصر (الملوك الثاني 18، 21 – 24). أمام التهديدات المتواصلة، لجأ حزقيا لنصائح النبي إشعيا الذي طمأنه (الملوك الثاني 19، 1 – 7) من خلال نبوءته ضد سنحاريب المستعلي (الملوك الثاني 19، 20 – 31)، معلناً أن هذا الأخير “لن يدخل مدينة أورشليم” (الملوك الثاني 19، 3 – 34). غير أن بابل هي التي ستجتاح يهوذا بعد 150 سنة، كما تنبأ إشعيا لحزقيا الملك (الملوك الثاني 20، 12 – 19). كان ذلك الذِكر الأول للامبراطورية البابلية التي ستخلف الامبراطورية الأشورية بعد أن تغلبت عليها في معركة قرقميش (المذكورة في أخبار الأيام الثاني 35، 20).
هذا النبي، إشعيا، هو الذي كتابه موجود بين الكتب النبوية. في كتابه نجد كلام اللعن الذي قاله ضد بني يهوذا، لكن الذي لم يريد الكتبة في كتاب الملوك الثاني أن يأتوا على ذكره، مكتفيين بما يمدح بني يهوذا. أعلن إشعيا عن سبي الجنوب بسبب آثام بني يهوذا العديدة: “ويل للأمة الخاطئة، للشعب المثقل بالإثم، لنسل الأشرار والأمم المفسدين!… أرضكم خراب ومدنكم محروقة بالنار. حقولكم يأكل غلالها الغرباء أمام عيونكم” (إشعيا 1، 4 – 7). المقصود هو الاجتياح البابلي الذي سبق أن تنبأ به إشعيا لحزقيا (الملوك الثاني 20، 12 – 19).
جميع الأنبياء المذكورون في جزء الكتب النبوية من الكتاب المقدس عاشوا بدءاً من هذه الفترة وحتى 350 سنة تقريباً، مروراً بالاجتياح البابلي للجنوب (يهوذا)، الذي عاصره وتنبأ به النبي إرميا.
![]() الأماكن الرئيسية في يهوذا تحت النظام الملكي الخط المتقطع يشير إلى حدود منطقة نفوذ المملكة نحو نهاية القرن السابع ق.م، على عهد الملك يوشيا |
سبي الجنوب (الملوك الثاني 24، 10 / 25، 21)
قام الملك يوشيا بإصلاحات دينية ليتجنب العقاب. قام بترميم الهيكل وأخرج تماثيل بعل (الملوك الثاني 22، 3 – 7). لاحِظ أنه في قلب الهيكل كان يوجد “الوتد (القضيب) المقدس” بالإضافة إلى بيوت المأبونين (الملوك الثاني 23، 4 – 7). عبادة الأوثان والتضحية بالأولاد كانت تُمارس أيضاً (الملوك الثاني 23، 8 – 14). إصلاحات يوشيا شملت أيضاً هيكل السامرة، مملكة الشمال القديمة (الملوك الثاني 23، 15).
بالرغم من جميع إصلاحات يوشيا، هُزم هذا الأخير وقُتل على يد جيش الفرعون نكو في مجدو (609 ق.م). الأنبياء صفنيا، ناحوم وحبقوق عاصروا هذه الحقبة. كي تفهم كتبهم، عليك أن تضعها في إطارها التاريخي وأن تفهم الظروف التي تنبأوا خلالها.
معركة مجدو (الملوك الثاني 23، 29 – 30)، التي تكلم عنها الكتبة (الغاضبون من هزيمة هذا الملك مع أنه كان تقياً) بإيجاز، يجب أن تُحفظ وأن تُفهم جيداً. لقد اندلعت الحرب بين أشور الضعيفة وبابل القوية التي هاجمتها. أرادت مصر أن تساعد الأشوريين. حاول يوشيا أن يمنع الفرعون من الذهاب لنجدة الأشوريين. كان يريد أن يهزمهم لأنهم كانوا يحتلون شمال البلاد (السامرة) ويشكلون خطراً على أهل يهوذا. لم يكن يظن أن عليه أن يخشى البابليين. لقد أخطأ الظن. يوشيا والإسرائيليون كانوا يعتقدون أن بإمكانهم التغلب على جيش فرعون، لأن الله معهم بسبب الإصلاحات الدينية. لكن الحال لم يكن كذلك. الهزيمة في مجدو أوهنت عزيمة أهل يهوذا وألّف إرميا مرثاة عن هذا الموضوع. كتاب أخبار الأيام الثاني 35، 25 يحسن وصف هذه المعركة. بعد أن أصبحت ضعيفة، غدت يهوذا فريسة سهلة للملك البابلي نبوخذنصر.
في سنة 586 ق.م، دخل البابليون أورشليم وهدموا الهيكل (الهيكل الأول الذي بناه سليمان). أشراف يهوذا سُبيوا بدورهم (الملوك الثاني 25، 11 – 12)… مع عمودي الهيكل النحاسيين (الملوك الثاني 25، 16)، 135 سنة بعد سبي الإسرائيليين، كما تنبأ إشعيا (الملوك الثاني 20، 16 – 18 ؛ إشعيا 5، 13 ؛ إشعيا 39، 1 – 8).
تنبأ إرميا أن هذا المنفى سيدوم 70 سنة: يجب أن تحفظ هذه النبوءة الشهيرة (أخبار الأيام الثاني 36، 21 ؛ إرميا 25، 11). لاحظ أن السبي حصل على مرحلتين: سبي أول في سنة 598 ق.م (الملوك الثاني 24، 10 – 16)، يتبعه سبي آخر، بعد أحد عشر سنة (الملوك الثاني 25، 1 – 21). هُدم الهيكل أثناء السبي الثاني (587 – 586 ق.م).
أخبار الأيام الأول والثاني
تمت كتابة هذين الكتابين بعد عودة اليهود من السبي البابلي الذي دام 70 سنة. بعد عودتهم إلى فلسطين حرر الكتبة ملخصاً عن كل التاريخ الذي سبق هذه العودة من آدم إلى نداء كورش، ملك الفرس، الذي أطاح بالامبراطورية البابلية. سمح كورش للمنفيين أن يرجعوا إلى بلدهم. هؤلاء المسبيون لم يكونوا مؤلفين من اليهود وحدهم، بل أيضاً من الشعوب الأخرى المجاورة التي تغلب عليها نبوخذنصر. كل مجموعة كانت تستطيع أن تعود إلى وطنها الأم وتعيد بناء معبدها. هذا النداء التاريخي هو موجود في كتابي “أخبار الأيام”، وهي كلمة تعني “سلسلة تاريخية متوالية للأحداث”.
ستجد إذاً في أخبار الأيام الأول والثاني الشيء الأساسي عن ما قد رُوي. إقرأهما دون أن تتأخر حتى الفصل 33 من الكتاب الثاني. الفصول الثلاثة الأخيرة (أخبار الأيام الثاني 34، 35 و 36) تستحق أن تُقرأ بانتباه. إحفظ ما يلي:
النبية خلدة
تعلن خلدة عن خراب يهوذا بالرغم من إصلاحات يوشيا. لكن لأن هذا الملك كان تقياً، سيموت. هكذا، “الشر الذي سينزل بأورشليم وسكانها لا تراه عيناه” (أخبار الأيام الثاني 34، 22 – 28 ؛ الملوك الثاني 22، 14 – 20).
مجدو وقرقميش
كتاب أخبار الأيام الثاني 35، 19 – 25 يروي هذه المعارك بطريقة أكثر تفصيلاً من كتاب الملوك الثاني 23، 29 – 30 الذي يتكلم فقط عن مجدو باختصار بالغ، دون التطرق إلى قرقميش، لأن هذه المعركة، على الأرجح، لم تكن بعد قد حصلت (فقد جرت في سنة 605 ق.م، 4 سنوات بعد مجدو) أو أيضاً لأن الكاتب لم يدرك أهميتها بالنسبة لليهود.
بالمقابل، كاتب (أو كتبة) أخبار الأيام كان يملك الوقت الكافي للتفكير حتى يحين وقت العودة من المنفى وإقامة الرابط بين الأحداث التي جرت.
لهذا السبب معركة قرقميش مذكورة في كتاب أخبار الأيام الثاني. وهي مهمة لأنها تنهي عهد الامبراطورية الأشورية وتكرس عهد الامبراطورية البابلية من خلال انتصار نبوخذنصر على نكو في سنة 605 ق.م. تلك كانت فرصة الأشوريين الأخيرة؛ لقد خسروا على الرغم من مساعدة جيش الفرعون المصري نكو.
لتفهم بشكل أفضل، يجب أن أخبرك عن معركة أخرى سبقت قرقميش وهي معركة نينوى في 612 ق.م. نينوى كانت عاصمة أشور على الضفة الغربية لنهر دجلة. اجتاحها ودمرها الملك البابلي نبوبلسر، والد نبوخذنصر، في سنة 612 ق.م. مات الملك الأشوري تاركاً وراءه بلداً ضعيفاًً. الأشوريون استعانوا إذاً بمصر لتحرير وطنهم واسترجاع نينوى. تنظموا مع نكو في قرقميش، لكنهم هُزموا نهائياً في 605 ق.م، 7 سنوات بعد سقوط نينوى.
عاصر النبي ناحوم هذه الأحداث وأعلن عن سقوط نينوى. كتابه مخصص لهزيمة الأشوريين الذين لم يكن يحبهم بسبب اجتياحهم للسامرة وتهديدهم ليهوذا: “منك يا نينوى خرج المفكر بالسوء على الرب” (ناحوم 1، 11). “ويل لمدينة الدماء” (ناحوم 3، 1)… صعد المجتاحون (نبوخذنصر) عليك يا نينوى” (ناحوم 2، 3).
كان اليهود يأملون خيراً بعد سقوط نينوى. لكن، بالعكس، كانت فاجعة مجدو. كان النبي حبقوق يطمح إلى رؤية خلاص يهوذا، وكانت تُفرحه فكرة رؤية سقوط الأشوريين تحت “ضربات” الكلدانيين (البابليين): “ها أنا أثير البابليين، تلك الأمة الضارية المتسارعة، فتسير في رحاب الأرض لتمتلك ديار الآخرين (الأشوريين)” (حبقوق 1، 6). لم يكن حبقوق يتوهم أنه كان يجب على الكلدانيين أيضاً أن يحتلوا يهوذا ويخربوا هيكل أورشليم. النبي صفنيا، هو أيضاً، كان يفرح بدمار نينوى وكان يعلن أن الله “سيمد يده على الشمال ويبيد أشور. يجعل نينوى مقفرة قاحلة كالصحراء…” (صفنيا 2، 13). هذا ما حدث في 612 ق.م.
![]() المعارك الأربع التي عليك حفظها |
عليك أن تحفظ هذه المعارك الأربع كي تفهم فيما بعد الأنبياء:
- 612: نينوى: هزيمة الأشوريون الأولى. يقرر نكو مساعدتهم.
- 609: مجدو: يوشيا يحاول أن يمنع نكو، لكنه هُزم وقُتل.
- 605: قرقميش: هزيمة نكو والأشوريين. نهاية الامبراطورية الأشورية.
- 586: أورشليم: اجتاح البابليون أورشليم وخربوا الهيكل.
الـ 70 سنة من السبي التي أعلن عنها إرميا: إحفظ هذه النبوءة (أخبار الأيام الثاني 36، 21) التي المفيدة لتفهم نبوءات دنيال (دنيال 9، 1 – 2 و 9، 24).
نداء كورش (أخبار الأيام الثاني 36، 22 – 23) هو للحفظ. بهذا النداء يبدأ كتاب أستير (أستير 1، 1 – 4). هذا الكتاب، مع كتاب نحميا وأخبار الأيام، كُتبوا بعد العودة من السبي ليحكوا قصة عودة اليهود من بابل، وإعادة بناء الهيكل (أستير) والسور الذي يحيط بمدينة أورشليم (نحميا).
كتاب عزرا
هذا الكتاب يروي مراحل وصعوبات إعادة بناء الهيكل “على قواعده نفسها، مع أنهم كانوا خائفين من الشعوب المجاورة (الفلسطينيين والسامريين)” (عزرا 3، 3). إقرأه ثم عد إلى تفسيري.
نداء كورش، ملك الفرس (إيران)، يفتتح كتاب عزرا (عزرا 1، 1 – 4). يمكن مقارنة هذا النداء بوعد بلفور سنة 1917، وزير الخارجية البريطاني الذي وعد اليهود بوطن في فلسطين، من دون أن يسمح بالمقابل بإعادة بناء الهيكل مرة ثالثة (الهيكل الثالث). الهيكل الثاني تم بناؤه في حوالي سنة 515 ق.م، في أيام عزرا، ودمره الرومان سنة 70 م.
زربابل ويشوع (عزرا 2، 2) يظهران على لائحة الصهيونيين الذين رجعوا من المنفى، بعضهم فضل البقاء في بابل. زربابل هو ابن شألاتئيل، من العائلة الملكية، ووارث عرش داود، من هنا أهميته. يذكره متى في إنجيله كسلف للمسيح (متى 1، 12). يشوع هو كاهن. كلاهما شجعا على إعادة بناء الهيكل. لهذا السبب هاتان الشخصيتان هما مهمتان وتملكان قيمة روحية رمزية كونهما شاهدتان على إعادة بناء الهيكل.
السامريون أرادوا المساعدة في تجديد الهيكل، لكن، بما أنهم من الشمال، كانوا يعتبرون “أعداء بني يهوذا وبنيامين”، العشيرتان الجنوببيتان (عزرا 4، 1 – 3). لقد تم إذاً رفض مساعدتهم.
النبيان حجاي وزكريا، اللذان كتباتهما موجودة في عداد الكتب النبوية، عاشا في هذه الحقبة (عزرا 5، 1)، وشجعا على إعادة بناء الهيكل. تستطيع الآن قراءة الكتاب الصغير لحجاي. إنه من فصلين فقط. وهكذا تصبح في إطار فهمه. إقرأ أيضاً الفصل 4 من كتاب زكريا؛ يروي فيه رؤيتيه عن الزيتونتين، مشبّهاً إياهما بزربابل ويشوع، بانيا الهيكل. لكن كتاب رؤيا يوحنا يسترجع هذه الرؤيا ليكشف أن هاتين الزيتونتين هما شاهدي الرؤيا اللذين مهمتهما بناء الهيكل الروحي في نهاية الأزمنة (رؤيا 11، 3 – 4). الهيكل المادي، نعرف أنه لم يثير اهتمام الرب يوماً.
الهيكل الثاني، الأكثر تواضعاً من الأول الذي كان من خشب الأرز والذهب، خيب أمل “كثيرين من الكهنة واللاويين والشيوخ من رؤساء العشائر الذين رأوا (ترف) الهيكل الأول (هيكل سليمان الذي دمره نبوخذنصر) فبكوا بصوت عظيم” (عزرا 3، 12). لكن الجيل الجديد “هتفوا بفرح رافعين أصواتهم” عند رؤية هذا المقدس. انتهى بناؤه سنة 515 ق.م.
هذا الهيكل الثاني، الذي أُهمل ودنّس طوال قرون (راجع المكابيين الأول 1، 41 – 47)، تم توسيعه وزخرفته على عهد الملك هيرودوس. دام العمل فيه 46 سنة. هذا هو الهيكل الذي عرفه يسوع وتنبأ بخرابه (يوحنا 2، 13 – 21 / متى 24، 1 – 2).
عنصرية عزرا: لاحظ الذهنية الصهيونية التي أظهرها عزرا 9، 12؛ يطلب عزرا من اليهود أن لا “يطلبوا سلم أهل البلد (الفلسطينيين) ولا خيرهم”؛ قارن ذلك مع تعاليم يسوع لليهود: “أحبوا أعداءكم (الغير يهود الذين يعتبرهم اليهود دائماً كأعداء)… عاملوا الناس مثلما تريدون أن يعاملوكم…” (لوقا 6، 27 – 31).
“القلة” التي نجت: (عزرا 9، 8). هذه الفكرة عن “القلة القليلة” من اليهود الذين نجوا بعد سقوط المملكة الإسرائيلية هي عبارة شائعة في اللغة الكتابية والنبوية. الرب يضرب كل الشعب، لكن قلة تبقى لتواصل رسالة بني إسرائيل الروحية (إشعيا 4، 3 / 10، 20 – 22 / رومة 9، 27). الهدف من هذه القلة، رسالتها المقدسة، هو استقبال المسيح عند مجيئه. إنه عدد قليل بالفعل، قلة قليلة هم الذين تبعوا ودعموا يسوع، في حين أن العدد الأكبر اضطهده.
كتاب نحميا
نحميا هو من وجهاء العائلات اليهودية التي لم تعود من المنفى. كان يعيش في شوشن (في جنوب إيران)، وكان بإمكانه الدخول عند الملك، كونه الساقي والمسؤول عن الخمر الملكي (نحميا 2، 1). تجري أحداث القصة في سنة 445 ق.م، بعد أكثر من ستين سنة من العودة من السبي ونداء كورش. كان العمل في بناء الهيكل الثاني قد انتهى، لكن وضع اليهود المحزن في فلسطين “وسور أورشليم المهدوم وأبوابها المحروقة” (بعد مرور نبوخذنصر)، أحزنوا نحميا الذي أراد أن يساعد “الذين نجوا من اليهود المسبيين” (نحميا 1، 1 – 4) ويعيد بناء السور (نحميا 2، 7 – 8).
يروي لنا هذا الكتاب قصة عودة نحميا إلى فلسطين، مدعوماً من الملك الفارسي، بهدف إعادة بناء سور أورشليم. إقرأه.
كتب طوبيا، يهوديت وأستير
هذه الكتب تروي قصصاً عن السبي، وهي سهلة القراءة. طوبيا ويهوديت غير موجودان في الكتاب المقدس العبري.
كتابا المكابيين الأول والثاني
كتابا المكابيين يرويا لنا جزءاً من تاريخ الامبراطوريتين اللتين أعقبتا الامبراطورية الفارسية، أي الامبراطورية اليونانية والامبراطورية الرومانية.
لقد تعرفت على تاريخ طائفة بني إسرائيل في عهد الامبراطوريات الثلاث: الأشورية (سبي الشمال)، البابلية (سبي الجنوب) والفارسية (العودة من السبي). ٍالأخبار الأخيرة نُقلت لنا عن طريق كتاب نحميا مع إعادة بناء حائط سور أورشليم حوالي سنة 445 – 450 ق.م. كتابا المكابيين يعطياننا معلومات حول الأحداث التي جرت في فلسطين وفي منطقة الشرق الأوسط بدءاً من سنة 175 ق.م، وحتى حوالي سنة 135 ق.م، إذاً خلال حوالي 40 سنة. الكتاب المقدس يتركنا دون أخبار حول ما جرى بين 450 و175 ق.م، وهي فترة 275 سنة.
هذان الكتابان غير موجودان في الكتاب المقدس العبري وينقلان إلينا نفس الأحداث. كتاب المكابيين الثاني، هو تقريباً إعادة لكتاب المكابيين الأول ويسترجع قصة مقاومة اليهود للامبراطورية اليونانية، بقيادة عائلة يهوذا المكابي، من حيث تسمية الكتابين. الملك اليوناني الأهم كان أنطيوخوس أبيفانيوس، الذي يجب أن تحفظ اسمه.
إقرأ كتابي المكابيين و من ثم تفسيري:
كتاب المكابيين الأول
الإسكندر الكبير: يبدأ الكتاب بذكر الإسكندر الكبير، ابن فيلبس الذي “هاجم داريوس ملك فارس وماداي، فقهره وملك مكانه” (المكابيين الأول). هذا الانتصار للإسكندر في معركة أربيل (العراق) في سنة 331 ق.م، أنهى عهد الامبراطورية الفارسية-المادية التي دامت 200 سنة تقريباً. مع الإسكندر يبدأ عهد الامبراطورية اليونانية.
أنطيوخوس أبيفانيوس: خرج من خلفاء الإسكندر “رجل شرير اسمه انطيوخوس الملقب بأبيفانيوس… ملك على انطاكية في السنة الـ137 من مملكة اليونان”، التي توافق سنة 175 ق.م (المكابيين الأول 1، 10). أراد أن ينشر الثقافة اليونانية بين اليهود “حتى أن جماعة منهم تحمسوا وذهبوا إلى الملك والتمسوا منه السماح لهم بممارسة تقاليد بقية الأمم. فسمح لهم بذلك. فبنوا ملعباً… وحاولوا ستر ختانهم…إلخ” (المكابيين الأول 1، 13 – 15). عدد كبير من اليهود تبنى نمط الحياة اليوناني (المكابيين الأول 1، 43 – 52).
“رجاسة الخراب”: دنس انطيوخوس أبيفانيوس الهيكل ووضع فيه صنم زيوس، “رجاسة الخراب” (المكابيين الأول 1، 54). النبي دانيال هو الذي تكلم عن هذه “الرجاسة” قبل حوالي 400 سنة، متنبئاً أنه “في الهيكل ترتفع رجاسة الخراب” (دانيال 9، 27). في وقت المكابيين، اعتقد اليهود أن هذه الرجاسة كانت الصنم زيوس في الهيكل. لكن يسوع، متكلماً عن نهاية الأزمنة، يسترجع نبوءة دانيال هذه ليقول أنها لم تتحقق على عهد أنطيوخوس أبيفانيوس، لكنها ستتحقق في نهاية الأزمنة، عندما سيحتل أتباع المسيح الدجال أورشليم ويضللوا كثيرين من تلاميذ يسوع (متى 24، 15). في نهاية حياة أنطيوخوس ابيفانيوس، أسقط اليهود هذه “الرجاسة” (المكابيين الأول 6، 6 – 7).
الملك إسكندر بالاس، وهو وثني، يقيم يوناثان رئيساً للكهنة على اليهود. وافق هذا الأخير! في حين أنه كان عليه أن يرفض أن يُرسم كاهناً من قبل وثني يجهل الله. هاك كيف كانت تمارس العبادة الدينية… (المكابيين الأول 10، 15 – 21).
عهد اليهود مع الرومان (المكابيين الأول 8، 1 – 31 / 12، 1 – 23 / 14، 16 – 24 / 15، 15 – 21). إنها بداية الامبراطورية الرومانية التي ستكبر وتتوسع . من عادة الصهاينة أن يتحالفوا مع أمة قوية ليقيموا وطناً لهم في فلسطين. في القرن العشرين، سيتحالفوا أولاً مع بريطانيا، ثم مع الولايات المتحدة الأميريكية للهدف نفسه.
كتاب المكابيين الثاني
كتاب المكابيين الثاني ليس تتمة للأول. إنه يتناول نفس الأحداث الموجودة في الأول، لكنه يتوقف عند هزيمة نكانور. يشكل ذلك خمسة عشر سنة من التاريخ، محتوى الفصول من 1 إلى 7 فقط من الكتاب الأول. كما أنه لم يأتي أبداً على أي ذكر للرومان.
إحفظ الامبراطوريات الخمس المتعاقبة:
- الأشورية،
- البابلية،
- الفارسية-المادية،
- اليونانية،
- الرومانية.
من خلال معرفتك لها، ستفهم النبوءات بشكل أفضل. مثلاً، نبوءة دانيال التي تُعلن لنبوخذنصر الملك البابلي، أن المسيح سيظهر في عهد الإمبراطورية الثالثة بعد امبراطوريته (دانيال 2، 36 – 45). المقصود هو الإمبراطورية الرومانية التي وُلد يسوع في عهدها.
![]() الامبراطوريات الخمس |